عبد الجليل سليمان

ياسر يوسف (يُشجِّع )… العبارة المُفخخة


وما إن اطلعتُ على الخبر المروي عن وزير الدولة بالإعلام ياسر يوسف، بأنه يُشجّع ناشري الصحف، على الاندماج تفادياً للصعوبات والأزمات المالية والاقتصادية، فبدت العبارة مفخخة على نحوٍ يوشِك بالانفجار.
فما الذي يجعل الحكومة كلها تسعى إلى تحقيق هذا الدمج، إن لم يكن هنالك مخطط ما؟، لكن قبل الإجابة على هذا السؤال، دعوني أؤكد على أنني أناقش هذا الأمر، بعيداً جداً عن نظرية المؤامرة، إذ إن بحوزتي من الحيثيات ما يُثبت لك.
بطبيعة الحال، و وفقاً لكل القوانين المرعية ذات الصلة بحرية الصحافة والتعبير، فإن الحكومات لا ينبغي أن تتدخل في شؤون الصحافة والإعلام، وليس مطلوباً منها ذلك. لكن واقع الحال يمضي في الاتجاه المعاكس، فكثيراً ما تتدخل الجهات التنفيذية لفرض رؤاها على الإعلام بالسعي للهيمنة عليه وتوجيهه للتعبير عنها بإيجابية، لكن غالباً ما تُسفر هذه التدخلات عن نتائج عكسية، إذ تشوِّه صورة الحكومة أكثر مما تصقلها وتجعلها لامعة.
وهكذا، تبدو عبارة الوزير ياسر يوسف، مفخخة، كونها تستبطن رأياً حكومياً سابقاً ومستمراً بضرورة إدماج الصحف في ثلاث كبرى، بالطبع لم يكن ذلك الرأي يُحاجج بالصعوبات والأزمات المالية والاقتصادية التي تتهدد الصحف، كما يبرر ياسر يوسف (الآن)؛ وبالتالي يمكننا القول إنَّ توجه الحكومة نحو تقليص عدد الصحف اليومية الصادرة، بات هدفاً إستراتيجياً، تنتظر الوقت المناسب لإصدار قرار بشأنه، هذا التقليص – ربما – يسهل مرحلياً على الحكومة فرض هيمنتها على الصحف المندمجة وتسييرها وفق ما ترى، وتسخيرها لخدمة أجندتها وأهدافها، لكنه، ليس على المدى المتوسط والطويل فحسب، بل فوره، سيؤسس لمساحات إضافية للتعاطي مع الإعلام البديل حيث لا غربلة ولا مهنية ولا رقابة ذاتية، في فـ(الواتس آب وفيس بوك وتويتر)، لا يمكن للحكومة أن تدمجها في مؤسسات قومية وتفرض عليهم أجندتها، بالتأكيد. وهنا سيتضاعف صداع الحكومة ويحطم رأسها أكثر مما تفعل به الآن (القليل) جداً من الأخبار والتحقيقات والمقالات.
أمر آخر، جدير بالتأمل، وهو أن لا أحد يصدق هذه الخشية التي أبداها وزير الدولة بالإعلام على إمكانية تعرض الصحف لخسائر فادحة، لأنه حال تحقق هذا الاحتمال فإن الحكومة ستكون سعيدة جداً، كون الصحف ستغلق أبوابها، وبالتالي تستطيع أن تؤسس ثلاث صحف قومية بديلة، دون أن يتحدث أحدٌ عن مصادرتها للحريات.
إذنْ، لا يبدو الأمر بمثل هذا التعاطف الجيّاش الذي أبداه الوزير مع ناشري الصحف. وإن كان كذلك، فإن المعالجة لن تكون حصرية على (فكرة الاندماج)، هنالك معالجات أخرى، مثل تخفيض ضرائب الأرباح، والرسوم الجمركية على الورق ومدخلات الطباعة، وتوسيع هامش الحريات خاصة في ما يتعلق بتمليك الصحف معلومات في ما يتصل بقضايا الفساد على سبيل المثال لا الحصر، فإذا ما تم حقن مفاصل الصحافة المتيبسة بتلك (الحلول)، فإنها لربما ستنتعش تدريجياً وتحقق من الأرباح ما يجعلها تستمر ويُحسن أوضاع ناشريها ومنسوبيها (والله أعلم) بالنسبة للفئة الأخيرة.