تبكيك الناس والبهائم
استقبلت مقابر احمد شرفي بأم درمان يوم الاثنين 27 يناير 2014 جثمانا ولا كل الجثامين ولو كان سكان القبور يخاطبون القادمين إليهم لهتفوا باسمه واستقبلوه بالأحضان ذلك لأن وجوده معهم إضافة نوعية كبيرة. إنه جثمان العالم الجليل البروفسير محمود احمد محمود الباحث الزراعي الحاذق ومولد العينة الشهيرة ود احمد التي اقتات بها كل أهل السودان بطريقة مباشرة كما هو الحال عند آكلي الذرة في السودان او بطريقة غير مباشرة في لحوم الحيوان والدواجن وكل اردب ذرة صدره السودان كان البروف موجودا فيه.
كان قدر البروف محمود احمد محمود ألا يعرفه الكثير من أهل السودان بدليل أن حياته العامرة بالإنجازات لم تجذب إعلامنا ورحيله لم يكن له أي دوي باستثناء نعي أقل من مائة كلمة صادر من رئاسة الجمهورية لأننا في السودان كل أفهامنا مقلوبة وأحوالنا معطوبة وبالتالي تقييمنا للناس والأشياء لا يصدر من نظرة سوية فنعطي النجومية بمعايير غريبة ونجهل كل الأوفياء والمخلصين الذين تجردت ذواتهم لخدمة العباد والبلاد في هذا الوطن المنكوب. الا بربكم انظروا كيف نهتم وكيف يغطي إعلامنا رحيل الفنانين والسياسيين ومن لف لفهم مع تجاهل كامل لرحيل العلماء ليس لنا اعتراض على تخصيص مساحات إعلامية للنجوم لأنهم هم الآخرون أعطوا ودخلوا بيوت الناس وقلوبهم ولا مانع من إحياء ذكرى رحيلهم كل عام لكن من غير المعقول أن نجهل أناس لهم وجود في كل كيلوجرام من لحمنا مثل البروف محمود احمد محمود؛ فإنني أجزم بأن أي سوداني مشى على أرض السودان في العقود الثلاثة الأخيرة للبروف وجود في جسمه لأنه حتما تعاطى الذرة عينة ود احمد.
لم يكن البروف مكتفيا بالعينة التي استولدها بل أشرف على الأبحاث التي استنبطت عينات أخرى مشهورة بعد عينة ود احمد بواسطة تلاميذه النجباء هذا إضافة لإسهامه المباشر في تطوير عينات من الدخن والسمسم والقوار ويكفي أنه من المؤسسين لهيئة البحوث الزراعية تلك المؤسسة العملاقة التي قتلت مع سبق الإصرار والترصد. لقد أمضى البروف الراحل كل عمره المديد (1929 2014 ) بين حقوله الإيضاحية ومختبره ولم يسع للإعلام ولم يسع الإعلام إليه لذلك عاش ورحل في هدوء تاركا بصمته في كل شبر من أرض السودان وفي كل جسد من أجساد السودانيين وكان مرجعا ليس للطلاب والباحثين الأكاديميين السودانيين إنما على مستوى العالم في الحبوب الغذائية فهو اسم في حياتنا ورمز محترم من رموزنا وأحد أهم بناة السودان الحديث ولكن للأسف في السودان نحن لا نفرق بين من يبني ومن يهدم.
إن رحيل بروفسير ود احمد كما النوار خلسة يطرح قضية هامة تتعلق بتربيتنا الوطنية إذ كان ينبغي أن نجعل من ود احمد اسما علما وقدوة يقتدي بها النشء. قدوة تعكس أهمية البحث الأكاديمي وأثره المباشر في حياتنا. كان ينبغي أن نغرس في أذهان النشء أن العلم يعطي الشهرة والمكانة والجاه حتى يتعلقوا به ولكن للأسف صناعة القدوة في بلادنا اليوم تجعل قلوب شبابنا تهفو للرياضة والغناء والسياسة ومع وافر احترامنا لهذه الأنشطة ولكنها لا تصنع دولة ولا أمة تنافس الأمم.
رحمك الله بروف محمود احمد محمود رحمة واسعة فرحيلك رحيل أمة لا تدري أنها ترحل كل يوم.
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]