عبد الجليل سليمان

يا لهم من محللين


أسِفت – كما لم أشعر بالأسف من قبل – كونيّ بددت ساعات طويلة خلال الثلاث أيام الماضية، وأنا أتابع وأرصد أقوال من يسمونهم بالمُحللين السياسيين والاستراتيجيين العرب والسودانيين، على الفضاء (الراطن بالعربي) داخلياً وخارجياً، وهم يُخضعون ما آلت إليه الأوضاع السياسية في المنطقة إلى مباضع تشريحاتهم ولميكانيزمات تحليلاتهم، فلم يأتوا – كعادتهم – بجديد، وظلوا كما عودونا دائماً يهرفون ويخطرفون ويتهاذون هذواً بيّنًا.
من أنتم، أيها المحللون؟ وماذا تحللون؟ وعلى ماذا تبنون تحليلاتكم؟ صرخت فيهم، ثم لُذت بنفسي أواسيها وأطبطب عليها، وأقول لها (أقسمت يا نفسي) لتكتُبن عنهم، ولتسفهين وتُهينين وتُمرغين أنوف منتجاتهم الكلامية في تراب (زاويتك) اليومية، لعلهم يفيقون من غفوتهم وغفلتهم الأبدّية.
هؤلاء ليسوا محللين، بل هم أشبه بضاربي الرمل وقارئي الأكُف والمنجمين والسحرة، لا يمتلكون معلومات حقيقية عن مّا يقولون، ومن يمتلكها منهم تعوزه المهارة الأكاديمية وتنقصه الموهبة الفطرّية لتحليلها واستشراف المُستقبل على ضوئها، فتجدهم يجوبون أفلاك الفضائيات يُنجمونها كأشباحٍ، يصرخون ويستصرخون، فيغيبون العقل ويحجبون الضمير.
والحال هذه، كأني بأحدهم وهو يظهر في إحدى فضائياتنا، كأني به، يهم أن يقول: وجود المشتري وأورانوس في برج الحمل، المتقاطع مع كوكب زحل الموجود في برج الميزان، وكوكب بلوتو الموجود في برج الجدي، يجعل الأوضاع حولنا ضاغطة، لأن هذه الكواكب تشكل مربعات متنافرة قد تؤثر في السودان بصدامات، لن تصل إلى مرحلة الحرب. إضافة إلى الجفاف وقلة الغذاء والغلة (القمح، السكر، والزيت والبصل) في العام القادم.
بطبيعة الحال، فالرجل لم يقل بالضبط ما ورد أعلاه، ولكنه بدا لي وكأنه قاله بالفعل، إذ أنه كان يتحدث عن توقعاته بهذه الطريقة العجيبة، ما اضطرني لحبس أنفاسي لبرهة، فلربما ينتمي لمدرسة (تحليلية) جديدة، ما سمعنا بها قط، إلا إنني أطلقت أنفاسي أخيراً بعد أن اطمأن قلبي إلى أن لا يقول إلاّ هُراءْ، فاسمعوا بعض مما قال، ولوذوا بجهلكم – إن لم تفهموا.. الحقيقة أن العام القادم ربما سيتسم بقلة الموارد المالية، لذلك يجب علينا الادخار والتقليل من الإنفاق على الكماليات، لكنه لا شك سيكون عام الإنسانية وازدياد الجمعيات الخيرية، والدفاع عن القضايا العادلة، عام جيد في العموم.
لاشك، أن الرجل يستحق صفقة وزغرودة عظيمتين، كونه توصل إلى النتائج دون يبذل في سبيلها أرقام ومعلومات. لكن بدا لي (زولنا) هيِّن، أمام أحد المحللين العرب الذي انتقل بنا بمهارة ورشاقة وخفة ما بين السياسي العام والاجتماعي والشخصي، وهو يستشرق توقعاته للعام الجاري (2016م)، فقال، بعد أن تنبأ بالقضاء على داعش والإرهاب وانحسار نجم الأسد ونصر الله، وتراجع الدور السعودي والمصري، بأنه يتوقع أن يكون العام المقبل عامًا للحب، كما أتوقع أن تفقد أغلب الأسر عزيز لديها إما بالسفر أو بالزواج أو الموت، وقد نشتكي من أزمة في المازوت، كما هو عام للموسيقى والفن والأناقة.