ويبقى البركل
جرد الأستاذ “محمد لطيف” حملة شعواء غير مبررة على ضوء يلوح في الأفق البعيد بانبعاث إشعاع ثقافي في جبل البركل ومهرجان السياحة الذي يعد له أهالي المنطقة من أجل وطن لم نقدمه للآخرين بخصائصه وتنوعه ومواضع الجمال التي يغطي عليها قبح السياسة وسوء تقديرات النخب في بلاد مفجوعة، والأستاذ “محمد لطيف” يهاجم مهرجان البركل ويدعي أن الحكومة هي من تغدق عليه الأموال ولا يرجى خير منه، وهنا لماذا يستكثر “لطيف” على أهل “البركل” أموال الحكومة التي ذهبت شرقاً لـ”بورتسودان” وانتقلت مع “إيلا” لولاية الجزيرة التي حاول “إيلا” تقليد نفسه وإعادة إنتاج نجاحه في “بورتسودان” بأرض الجزيرة واختار بكل أسف فصل الشتاء ظناً منه أن شتاء الجزيرة مثل ساحل البحر الأحمر، ولم يحصد مهرجان “إيلا” في الجزيرة إلا الوجود الرسمي الكثيف والعزوف الجماهيري الكبير، لأن السياحة ليست أموالاً تتدفق ولا سلطة ببريقها و(صفافيرها)، نجاح مهرجانات السياحة بالأرض والطبيعة والإنسان، ومنطقة “البركل” تجمع بين روعة المكان وإبداع الإنسان والمهرجان ليس تظاهرة حكومية كما يعتقد “لطيف” ولا مهرجاناً محلياً لأهل المنطقة وحدهم، فقد اتسعت عضوية لجان المهرجان القومي بـ”البركل” لكل طيف وجهة ومهنة.. وكاتب هذه السطور عضو أصيل في لجان مهرجان “البركل”، ويعلم “محمد لطيف” أن ما يجمعني بأهل “البركل” الانتماء للوطن الكبير والانشغال بهموم الأطراف، أينما كانت تلك الأطراف.. ولجان مؤتمر مهرجان “البركل” تقودها شخصيات مثل د.”عوض أحمد الجاز”، الذي لا منصباً حكومياً يتسنمه، ولكنه ناشط مدني في شؤون الحياة العامة، ومهرجان “البركل” الذي اقترب موعده ليس تظاهرة إعلامية مثل تظاهرات أخرى.
في المستقبل القريب يصبح مهرجاناً عالمياً.. مثل مهرجان “أصيلة”، تلك القرية الصغيرة في الريف المغربي.. خرج من صلبها مثقف هو وزير الدولة بالخارجية المغربية “محمد بن عيسى”.. لم تنصرف اهتماماته وهو في قيادة الدبلوماسية المغربية بقضية الجمهورية الصحراوية وفرص حل القضية وخطة المملكة المغربية في إدماج شعب الصحراء في الدولة، ولكن “محمد بن عيسى” المثقف والشاعر وظف موقعه كوزير دولة بالخارجية لخدمة الثقافة في بلاده.. أنفق المال على قرية “أصيلة”.. وحصل على ملايين الدولارات من اليونسكو.. شيد الفنادق والمسارح والقاعات وقبل كل ذلك جعل من “أصيلة” دوحة لحرية التعبير في الوطن العربي المفجوع بالأنظمة التي تقمع الأنشطة الثقافية فأصبحت “أصيلة” مكاناً يأوي إليه “محمد بنيس”.. و”فدوى طوقان”.. و”عبد الرازق عبد الواحد” و”الطيب صالح” و”رجاء النقاش” وحتى “محمد شكري” صاحب الخبز الحافي المغضوب عليه في مدينة “طنجة” الساحلية، كان يطوف بعرصات “أصيلة”.. فما الذي يجعل جبل “البركل” قعيداً لا تحدثه نفسه بأن يعيد لحضارة السودان في أرض الشمال مجدها القديم ويبعث تاريخ أجداد “محمد لطيف” المندثر، ليقدمه للأجيال الجديدة.
إذا كان “لطيف” المثقف والصحافي الذي تمتد خبرة سنواته لأكثر من ربع قرن من الزمان يعتقد وبعض الاعتقاد يهوي بصاحبه إلى أسفل، أن مهرجان البركل تظاهرة حكومية محضة وأن أي مال يصرف على السياحة هناك هدر غير مبرر، فليسأل “لطيف” صديقه “إيلا” عن ما أنفق على مهرجان السياحة في “مدني” هذا العام؟.. والعائدات التي دخلت خزانته؟.. وهل العائد المادي وحده هو المبتغى والهدف.. أم هناك عائدات معنوية وثقافية مهما أغدقت عليها من مال فالعائد أكبر.
ونسأل “لطيف” وهو الصحافي القريب جداً من صناع القرار في البلاد، كم أغدقت رئاسة الجمهورية على مهرجان “البركل” من الأموال حتى لا نرمي أي جهد مخلص بما ليس فيه.