عبد الجليل سليمان

أقوال البيلي.. فقراء الخرطوم


المتأمل، لتصريحات الوزيرة الولائية الخرطومية للتنمية الاجتماعية، أمل البيلي، في خصوص قانون منع التسول بالعاصمة، ينخسف عقله وترتجف أوصاله، إذ أن الوزيرة قالت بعد أن أطالت وكررت وسيّرت، وأعادت وأبدت، وعرضت وصرحت، وقامت وقعدت، إن وزارتها “استندت على فتوى شرعيّة من رجال الدين الإسلامي قبل إصدار قانون منع التسول بالعاصمة”. لكنها لم تكتفِ بذلك، فأردفت عليه مستطردة بأن “مكافحة الفقر مرتبطة بتطوير ديوان الزكاة باعتباره جسماً تكافلياً فاعلاً في الاقتصاد الإسلامي، وإن وزارة التنمية الاجتماعية نفذت مشاريع اجتماعية بولاية الخرطوم بقيمة 120 مليون جنيه، لنحو مليون أسرة فقيرة”.
في الواقع، إن ما خسف عقلي وأرجف أوصالي، هو أن الوزيرة لا تزال تتحدث عن اقتصاد إسلامي وفتوى شرعية ينهض عليها قانون محلي، وعن مكافحة الفقر عبر ديوان الزكاة (وكأنها لم تطلع على تقارير المراجع العام) عبر السنوات المنصرمة، لكنها تنسى ذلك كله، في (لمحة بصر)، حين تقر بأن هناك (مليون أسرة فقيرة) في ولاية الخرطوم، ممن (لحقتها يد وزارتها البيضاء)، بمشاريع اجتماعية، وهذا معناه، فيما لو افترضنا أن متوسط الأسرة الواحدة يبلغ (3 أفراد فقط)، زوج وزوجة وطفل واحد، معناه أن الحد الأدنى (جداً) من الفقراء بولاية الخرطوم يصل إلى (3 ملايين) شخص. وهذا ما ظلت تنكره الحكومة (ليل نهار)، بل وتردد بأن الشعب السوداني يتمرغ في رغد من العيش ورفاهية لا نظير لها في العالمين.
بطبيعة الحال، لن أناقش هنا، ما إذا كانت ينبغي أن تنهض القوانين على فتاوى شرعية أم لا؟ فالأمر عندي محسوم، ولن أناقش أيضاً ما إذا كان ديوان الزكاة بالفعل جسماً تكافلياً فاعلاً في الاقتصاد ومحاربة الفقر، لأنه ظهر مكشوف، لكن هذا لا يجلعني أدير ظهري وانصرف راضياً من غنيمة أقوال الوزيرة بالإيابِ.
والحال هذه، والفقر وصل إلى هذه الدرجة والوزيرة اعترفت بمتن لسانها كله وليس بطرفه فقط، خاصة وأنها كانت حينها تتحدث عن إنجازات، فإن هذا وحده يشير إلى كم هي نسبة الفقر الحقيقية في ولاية الخرطوم، التي يُعد سكانها الأثرى مقارنة بمنسوبي الولايات الأخرى.
وهكذا، ولأن استيفاء الحق ينبغي أن يكون كالتواضع في أدائه، لذلك دائماً ما يكون الكلام في موضع الصمت فضل وهدر، كما السكوت في موضع الكلام لكنة وحصر. وعليه فإن أقوال البيلي واعترافاتها بهذه النسبة المهولة من الفقر لا بدّ أن تتناسب معها طرديّاً مهنة الشحاذة والتسوّل، وهذه المهنة لن يقضم (حسن بنانها ومعصمها) قانون حتى وإن استند إلى فتوى شرعية ما لم تتحسن الأوضاع المعيشية وترتفع دخول الأفراد، وهذه الأمور لا ينجزها ديوان الزكاة، بالقطع والتأكيد، بل السياسات الاقتصادية القائمة على الإنتاج الحقيقي دون المضاربة والسمسرة والفساد.