لسنا فئران تجارب لسمومكم !!
* يتجه المجلس الوطني، حسب زميلتنا القديرة سارة تاج السر، لاستدعاء وزير الصحة الاتحادd لمساءلته عن الارتفاع الفاحش في أسعار الأدوية وعدم توفرها والاجراءات التي اتخذتها الوزارة لمعالجة الأزمة، وأرجو أن يجد النواب الجرأة لسؤال الوزير عن) الحرب القذرة (وهو أقل ما يمكن ان توصف به التي تدور بين المجلس القومي للادوية والسموم ووزارة الصحة الولائية على الرسوم السنوية لتجديد ترخيص شركات الادوية والصيدليات بولاية الخرطوم!!
* هذه الحرب التي تستعر، بينما تفتقد البلاد لأبسط المقومات، لاختبار جودة الأدوية ومطابقتها للمواصفات المطلوبة، وعدم وجود معمل مرجعي معتمد واحد في السودان، حتى اليوم، لإجراء الاختبارات على الأدوية قبل التسجيل أو بعده، وهو أمر في غاية الخطورة، إذ ان الفحوصات التقليدية التي تعتمد عليها الدولة لإختبار الأدوية ليست دقيقة بشكل كافٍ لإعطاء نتائج قاطعة، كما أن بعض شركات الادوية، خاصة في منطقة شرق آسيا التي نستورد منها معظم أدويتنا، خاصة المضادات الحيوية، تعمد الى الغش وخفض جرعة المادة الفعالة في الدواء بعد حصوله على الترخيص بغرض تقليل النفقات وزيادة الأرباح، ولقد ضبطت دول عديدة آلاف الحالات من الغش في الادوية المصنعة في تلك المنطقة في السنوات الماضية، وهي لا تمثل سوى نسبة ضئيلة جداً من الحالات غير المكتشفة حسب دراسات عالمية، مما يستدعي الحرص الشديد على اجراء الاختبارات المنتظمة على الادوية بعد ترخيصها ونزولها الى الأسواق في بلادنا، إلا أن ذلك لا يحدث للأسف الشديد، ولو كنت أحد أعضاء المجلس القومي للأدوية والسموم الذي يتحمل هذه المسؤولية الجسيمة لما بقيت يوماً واحداً في منصبي، ولكن من يستغني فى هذا الزمان الرديءعن الامتيازات والأسفار ولو على حساب أرواح المواطنين؟!
* وليت الأمر اقتصر على ذلك فقط، فمع إنعدام الرقابة والمتابعة وتهافت معظم الصيدليات على تحقيق أعلى نسبة مبيعات وأرباح، تحوّل الدواء الى سلعة استهلاكية وانقلبت الصيدليات الى كناتين وبقالات تبيع كل أنواع الدواء خاصة المضادات الحيوية بدون روشتة، بل وصل الأمر الى بيع أدوية خطيرة جداً مثل عقاقير الجهاز العصبي وعقار البنسلين بدون وصفة، وهي عقاقير يمكن ان تفضي الى الموت إذا أسيء استخدامها، أو أستخدمت قبل إجراء الاختبارات الوقائية التي تحدد ملاءمتها للمريض.
* وأثبتت المسوحات التي أُجريت في مناطق عديدة من السودان ومن بينها ولاية الخرطوم، أن استخدام المضادات الحيوية غير المرشد أدى الى انعدام فعالية العديد منها في معالجة الأمراض البكتيرية والى انتشار المقاومة البكتيرية بشكل واسع جدا حتى للأجيال الجديدة من المضادات الحيوية ذات الفعالية القوية، وإذا استمر هذا الاستعمال العشوائي على هذا المنوال وظلت الصيدليات تبيع المضادات وغيرها بدون وصفة طبية، ولم يلتزم الأطباء بالسياسة الدوائية التي تحدد الطريقة السليمة لوصف المضادات الحيوية، بالاضافة الى استمرار اهمال اجراء الاختبارات المنتظمة على الأدوية للتأكد من مطابقتها للمواصفات الأولية ومكافحة الغش، فإننا سنتحول وفي غضون سنوات قليلة جدا الى مستنقع واسع لتوالد وتكاثر وانتشار كل أنواع الأمراض البكتيرية ولن تكفي كنوز الدنيا كلها لتجفيف هذا المستنقع.
* الانسان السوداني ليس فأر تجارب يستغله الفاسدون واللصوص لممارسة فسادهم وجشعهم، وإذا فشلت الحكومة في مكافحة ما يحدث في هذا القطاع من مفاسد وأخطاء، وعجزت عن إيقاف المعارك التي تدور في ساحته، ومنها المعركة الحقيرة على رسوم الترخيص التي تدور هذه الأيام بين المجلس القومى للأدوية والسموم ووزارة الصحة الولائية، فلترحل وتترك الأمانة لمن يستطيع أن يحملها ويتحمل تبعاتها كما يجب، وكفاية استهتار بأرواح المواطنين!!