جمال علي حسن

مراجعة رسوم عبور النفط.. قرار كبير ومحترم


قرار صحيح، وقرار دولة محترمة، ذلك الذي أصدره الرئيس البشير يوم الخميس، بمراجعة الإجراءات الاقتصادية الانتقالية مع دولة الجنوب، وأوردته وكالة سونا للأنباء بصيغة غير مفصلة، لكن الفهم البديهي لها يقود إلى أن الخرطوم تريد الاستجابة لطلب حكومة الجنوب، بمراجعة رسوم عبور النفط عبر الأراضي السودانية. وكانت الحكومة السودانية قد رفضت في الوهلة الأولى الاستجابة لهذا الطلب المقدم من دولة جنوب السودان .
القرار صحيح ومحترم، لأنه يعبر عن تقدير الخرطوم للالتزامات الأخلاقية في علاقاتها الخارجية، وخاصة علاقات الجوار، وتحديداً مع دولة جنوب السودان. ويعبر القرار عن معنى التعاون المشترك، وتقديم مواقف حسن النوايا تجاه دولة الجنوب، حتى في ظل المواقف غير المريحة من جانب دولة الجنوب، على مستوى التزاماتها بتنفيذ اتفاقيات التعاون نفسها؛ لكن هذا لا يبرر للخرطوم التمسك بأخذ رسوم عبور لنفط الجنوب تفوق نسبتها الآن على البرميل سعره في السوق .
فبرميل النفط الآن يباع بحوالي (27) دولاراً، بينما الرسوم المتفق عليها بحسب الاتفاقية المبرمة بين البلدين والتي تتحصلها الخرطوم تصل جملتها (24) ونصف دولار على البرميل، مما يعني أن نفط الجنوب سيعبر خاسراً في دولة ليست لديها قدرة على تحمل خسائر .
موقف الخرطوم الأول برفض الاستجابة لطلب الجنوب، لم يكن موقفاً يشبه السودانيين، فمثلما يقولون إن (الرجال مواقف)، فالدول أيضاً يقاس احترامها بمواقفها.
فكرة إمساكنا للجنوب من (اليد التي توجعه)، واستغلال ظروف احتياجه لتعاون وتفهم الخرطوم لموقفه، هي فكرة لا نرضاها لأنفسنا، مهما كانت تراكمات مواقف دولة الجنوب التي يتحفظ السودان عليها .
حديث وزير المالية بدر الدين محمود أمام البرلمان قبل يومين لم يكن مريحاً، فنحن دولة عريقة، ومثلما أننا لا نقبل أن يستغل أحد ظروفنا، كذلك لا نستغل ظرف أحد، ونقدم مواقفَ تناسب تاريخنا وحضارتنا كشعب عظيم ودولة كبيرة .
وزير المالية كان قد جدد تمسكه بعدم مراجعة رسوم العبور، وتحدث عن استعداد السودان وجاهزيته للتعامل مع إغلاق الجنوب لنفطه، وقام باستدعاء موضوع عدم تنفيذ حكومة الجنوب لبعض اتفاقيات التعاون التي يبلغ عددها تسعاً، وقال إن حكومة الجنوب ركزت فقط على التفاهم الخاص بالبترول لارتباطه بمصالحها، وقلل من التأثيرات المُحتملة لفقدان السودان إيرادات رسوم النفط .
وفي تقديرنا أن هذه الطريقة وإن كانت تعبر عن تمسك الوزير بحق السودان المتفق عليه، لكنها كانت تفتقد لتقديرات أخرى مهمة، وهي إن لم تعمق الأزمة – أزمة تباطؤ أو عدم التزام الجنوب بتنفيذ ما عليه من واجبات – فهي بالتأكيد لن تنتج سوى المزيد من الجفوة، لكن وبالمقابل نجد أن قرار البشير وموقفه الكبير مع الجنوب الآن يحرج دولة الجنوب كثيراً ويعلمها و(يوريها) إلى أي مدى هي محتاجة للسودان، وأن عليها أن تحرص عملياً على علاقاتها بالسودان، الذي يقف بجانبها وينظر لمصلحة شعب الجنوب في مثل هذه الظروف والأزمات.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.