ضياء الدين بلال

تحت الحزام!


لا شك أن ما أدلى به بعض الزملاء في عدد من الصحف، حول وجود مساعٍ للحكومة لتسديد ضربات تحت الحزام ضد الصحف، لم يكن وليد أوهامٍ وظنون.
حقيقةً لم يتسنَّ لي الوقوف على صحة القائمة التي راجت في مواقع التواصل الاجتماعي، وتضمُّ عدداً من الصحفيين والناشرين، قيل إن جهة حكومية استفسرت البنوك عن معلوماتهم المصرفية.
بغضِّ النظر عن صحة المعلومة أو اختلاقها، أرى أن لا مانع أن يبتدر الصحفيون من تلقاء أنفسهم حملة للشفافية والوضوح، يكشفون خلالها ما يمتلكون في هذه الحياة الفانية، لعل ذلك يشجع بعض الذين ظلوا يتهربون من مواجهة سؤال: من أين لكم كل هذه الأموال والثروة؟!!!
لو فُعِّلَ قانون الثراء الحرام والمشبوه بصورة عملية وجادة، لتطايرت كثير من الرؤوس التي أينعت في غفلة من الزمان!
صحيح أن بعض الممارسات والأخطاء تستحقُّ عليها الصحف المحاسبة والعقاب، ولكن عبر السلطات الطبيعية مجلس الصحافة واتحاد الصحفيين والمحاكم العامة، فالصحافة كما لها حقوق عليها واجبات، وكما من حقها الحرية فعليها واجب المسؤولية.
أما أن تسعى جهة حكومية للتضييق على الصحف عبر إجراءات استثنائية متجاوزة للقوانين، ففي ذلك إساءة بالغة بصورة الحكومة، ومساس جارح بقيمة المواطنة.
الحكومات التي لا تحترم القوانين التي تضعها ستساهم في إشاعة ثقافة الاستهتار بالقانون في جميع مستويات المجتمع، فالحكومات تمثل القدوة لمجتمعاتها.
كثيراً ما ظللنا نردد: من مصلحة الحكومة أن تسمح للصحافة بالقيام بدورها في الرقابة والتوعية المسؤولة، بل أن تساعدها في إنجاز تلك المهام على أكمل وجه.
الصحافة الحرة القادرة على الحصول على المعلومات، والوصول إلى المسؤولين، والتواصل مع الجماهير، تمثل أحد مكونات الجهاز المناعي للدولة.
الصحافة الحرة تكافح الباكتيريا التي تستغل غياب الضوء وغبش الرؤية ورخاوة الانتباه، لإلحاق أكبر ضرر بجهاز الدولة، وبنية المجتمع، في مقابل مكاسب ومغانم ذاتية محضة!
من المهم جداً، أن تتجاوز الحكومة تصور أن الصحافة تمثل ملاذات آمنة لأعدائها، ومكمن مخاطر مقبلة، فهذا التصور سيصبح المُحدد الدائم للتعامل معها تشريعياً عبر القوانين التعسفية، أو عبر الإجراءات الاستثنائية.
ولا فرق بين الاثنَيْن!
لا بد من تجاوز عقدة أن الصحافة هي التي أسقطت حكومة الصادق المهدي في الديمقراطية الثالثة. الديمقراطية الثالثة أصلاً لم تقف على رجليها، حتى تسقط، فهي لم تتعدَّ مرحلة الحبو!
إضعاف الصحافة عبر التعسف القانوني أو الإجراءات الاستثنائية، لا يحقق مصلحة الدولة، بل هو خطر عليها! الأزمات الاقتصادية التي تعانيها الصحف، ونزع ما بها من (دسم) في المهام التي تأتي تحت لافتات تنقيتها من (السموم)، يمهدان الطريق لموتها سريرياً!
يجب ألا ينجح الفاسدون في تسويق مخاوفهم وهواجسهم الشخصية من الصحافة، حتى لا ترفع الأغطية عن بعض ما يفعلون، يريدون تسويق تلك المخاوف لجهاز الدولة، ليخوض المعركة نيابةً عنهم! الصحافة السودانية في كل القضايا المفصلية، كانت أول المُعينين في تجاوز الأزمات، وتحقيق الانتصارات. فليس من اللائق أن تكون في الأوضاع العادية، قيد الشك والاشتباه!