غرفة تخص المرء وحده..!
«الكتابة لا تقود إلاّ إلى المزيد من الكتابة» ..كوليت خوري ..!
أشهر كتب فرجينيا وولف ـ رائدة تيار الوعي في الأدب الأوروبي وأهم كاتبات القرن العشرين ـ مضمنة مقالتين طويلتين تعود ظروف كتابتهما، ومحفزاتها الفكرية، وأسبابها الاجتماعية إلى الثلث الأول من أيام القرن الماضي ..!
في عرض شيق يأخذ طابع الحوار، استعرضت في مقالتيها الحواريتين العثرات الأسرية والاجتماعية التي تعترض طريق المرأة الكاتبة، وتعرقل تطور مشاريعها الفكرية والمهنية ..!
الهموم والمُحبطات التي ناقشتها وولف في زمانها الغابر ـ والتي أصبحت اليوم من تاريخ حفيداتها من بني جلدتها ـ ما تزال مضمون معظم حوارات المثقفين والمثقفات في مجتمعاتنا ..!
ما يزال التسليم بالندية الفكرية والمهنية بين الرجل والمرأة مثار جدل، ومبعث تظلم النساء ومنافحة الرجال، وما يزال مناخ التفوق المهني ـ الذي يحتاج جهداً كبيراً ـ مكفولاً ومبذولاً للرجل، بينما تطغى الواجبات الاجتماعية والأعباء الأسرية على المهني والعام في جدول المرأة العاملة!
ذات المجتمع الذي يقبل أعذار الرجل المبررة بانشغاله بأعباء المهنة، يلوم المرأة التي توازيه في مقتضيات وأعباء المهنة، وذات أفراده الذين يتقبلون غياب الرجل عن المشاركة الاجتماعية لدواعي العمل، يعتبرون الحضور الاجتماعي للمرأة أولى من الغياب لعذر مهني ..!
في مقالة «غرفة تخص المرء وحده» ضمنت فيرجينيا مقولتها الشهيرة التي لخصت معاناة النساء المارقات للعمل العام مع هضم حقوقهن في تقدير جهد ومتطلبات الكتابة الإبداعية على النحو الذي يوازي تقدير جهد الرجل.. أبانت وولف فأوجزت قائلة «يجب أن تمتلك المرأة الكاتبة مالها الخاص، وغرفة لها وحدها كي تكتب إبداعاً» ..!
امتلاك المرأة مالها الخاص مسألة تجاوزتها النساء في مجتمعنا وأصبحن ينعمن بالندية الاقتصادية، أما التقدير المتمثل في حقهن الأدبي بامتلاكهن ملاذاً مهنياً آمناً من هجمات المجاملات المفاجئة، والزيارات المتواترة الواجبة فما يزال بعيداً جداً!
هنالك افتراض عام، بإجماع ضمني على وجوب تفرغ المرأة الكاتبة لمناسبات الأفراح ونوازل الأتراح على حساب العزلة المهنية التي اختزلتها «فيرجينا» في شرط «الغرفة الخاصة» .. مع أن انتظار شرارة النص وطقوس مخاضه من عصف ذهني، وعمق، وتأمل، ومتابعة، ومواكبة.. إلخ .. مناخ عمل لا يعترف بالفروق الجندرية ..!
بإسقاط مقولة «وولف» تلك على معاناة المرأة مع امتهان الكتابة الراتبة، مع كل ما يتطلبه تتابع وتوالي خلق ومخاض وولادة النصوص من جهد «من المقالة إلى التحقيق إلى الحوار.. ومن القصة إلى السيناريو إلى الرواية .. إلخ ..»، نخلص إلى الآتي: «مجتمعنا لا يعترف بفكرة الباب الموصد على امرأة تترك كل شيء خلفها وتنعزل متعذرة بإنجاز عمل مهني أدواته ورقة وقلم «أوشاشة وكي بورد» ومدخلات إنتاجه بعض التفكير والشرود، ونتاجه طبخة كلام وليس «طبخة طعام»!