هل يجوز للزوجة أن تفتش في هاتف زوجها دون علمه؟!
واقتحمت عالمنا الهواتف وانشغل كثير من الناس بها، وكثر وسهل التواصل، ومع ايجابيات هذا التواصل إلا أنه قد ظهرت كثير من السلبيات، وهي بحاجة إلى سرد في بحث مفصّل يسهم في التوعية في هذا الجانب الذي يشكّل حيزاً وجزءاً كبيراً من حياة الناس في زماننا.
مما كثر السؤال عنه: ما الحكم الشرعي في تجسس الزوجة على الزوج وتفتيشها هاتفه أو بريده الإلكتروني دون علمه للتأكد من أنه لا يخونها؟
ويمكن أن يكون السؤال في المقابل: ما حكم تفتيش الزوج لجوال زوجته وهي لا تعلم؟!
إن الحكم الشرعي أن هذا العمل لا يجوز وهو من المحرمات في شريعة الله تعالى، قال الله تعالى في كتابه الكريم : «أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا..» وثبت في صحيحي البخاري ومسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ــ صلى الله عليه وسلم ــ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا .. ». الحديث، وهذا نهي عام يفيد تحريم التجسس ويبقى الحكم عاماً وليس عقد الزوجية بين الزوجين يبيح للزوجة أن تسلك هذا المسلك، ولا الغيرة يمكن أن تجوّز ذلك، كما أن الحرص على الزوج لا يبيح هذا الفعل المحرّم، فليس للمرأة إلا ما ظهر من زوجها، وإن وجدت ريبة أو شكت في بعض تصرفاته فإنه يجب عليها ألا تجزم وتضع الوساوس يقيناً، وفي الحديث السابق قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: «فإن الظن أكذب الحديث».
وعليها أن تكون حكيمة فتتعامل مع زوجها بحكمة وحلم ورويّة، ولها إن شكّت في وقوعه في مأثم ــ أن تذكره بالله وبعقابه والخوف منه بالعموم دون أن تشعره بشكها ووساوسها، وتجتهد في معالجة ما قد يظهر عليه من ضعف في إيمانه، أو ضعف رغبة فيها أو تغير تجاهها بالطرق الشرعية والمعاملة الحسنة والاجتهاد في ذلك، وأما أن تلجأ للتفتيش فهذا مما تهدم به البيوت ويثير الوساوس والشكوك ويضعف الثقة بينهما، وقد يكون في التغافل أحياناً العلاج الأفضل والأمثل، فإن التغافل والحلم والأناة فيها الخير الكثير، كما قد تكون الصراحة هي الأنسب لحال بعض الأزواج في بعض الأحيان، فعلى الزوجة أن تجتهد في بذل الأسباب الصحيحة لئلا يقع الزوج في صلات محرمة حرصاً وشفقة عليه في دينه ودنياه، وهذا من الحقوق الزوجية المشتركة بين الزوجين، أما تتبع العورات والزلات فليس هو السبيل للعلاج أو التقويم أو التنبيه والتذكير في هذا المقام، فكل ابن آدم يخطئ.. ولا يجوز للزوجة حتى مع وقوع الخطأ أن تلجأ إلى هذه الأساليب المحرمة بالكتاب والسنة.
فإن معالجة الخطأ بخطأ مثله مما لا يجوز شرعاً، بل المعالجة لا بد أن تكون بالطريق المستقيمة والوسائل السليمة، وقاعدة مراعاة المفاسد، واتقاء الشر الأكبر بالشر الأصغر لها حضور في هذا المقام.
وإن الواجب المتحتّم على الزوجين أن يحرصا على أسباب الإلفة بينهما، فإننا في زمان أصبحت فيه مراعاة الحقوق الزوجية فيها ضعف واضح في المجتمع، وتساهل كثير من الرجال والنساء في بذل الأسباب لأجل المحافظة على بيتهما، وباتت البيوت تهدم لأتفه الأسباب، وهذا من الجهل العظيم وعدم التوفيق، وكم تسبب ذلك في أن يكون الأبناء والبنات هم الضحايا لتصرفات غير راشدة من قبل الزوجين أو أحدهما، لذلك كان سد الذرائع الموصلة إلى هذه المفاسد من الأمور المهمة والضرورية، كما أن على المجتمع واجب كفائي في التوعية بمثل هذه الأمور، والموفق من وفقه الله.
د. عارف عوض الركابي – الانتباهة