يوسف عبد المنان

خربشات (الجمعة)


(1)
{خرجت الوزيرة السابقة “إشراقة سيد محمود” عن صمتها الذي طال وصيامها عن (الكلام) ولكنها أفطرت على حزمة (شتائم) لليد التي أخذتها من الجامعة لفضاء الحزب الاتحادي الديمقراطي، ونعني بذلك د.”جلال يوسف الدقير” الذي وصفه الرئيس “البشير” يوماً (بأيوب) السياسة في السودان.
{الوزيرة السابقة تذكرت بعد شهور من فقدانها منصبها في الجهاز التنفيذي أن الحزب الاتحادي يفتقر إلى المؤسسية، وقد أصبح شركة خاصة بـ”جلال الدقير” وهذه يقظة متأخرة فقد ظلت “إشراقه سيد” موظفة في شركة “الدقير” الخاصة لمدة (13) عاماً لم تكتب مذكرة احتجاج على سيطرة المدير على الشركة ولا عن تسلطه، ولم تدعُ لتكوين مجلس إدارة للشركة، ولكنها في شتاء يناير الحالي.. استيقظت “إشراقة” ووجدت “الدقير” قد أصبح دكتاتوراً كبيراً وتذكرت شيئاً اسمه المؤتمر العام.. وبعد أن أفرغت ما في جوفها من دخان تراكم في الشهور الأخيرة ينتظر أن تعلن “إشراقة سيد” حركة تصبح مساراً أو جناحاً تصحيحياً.. للتجديد ومفارقة الحزب في الأيام القادمات، ولكنها إذا فارقت الحزب بمحض اختيارها ستفقد مقعدها في البرلمان وتعود إلى ما قبل رحيل “الشريف زين العابدين” ولا نملك إلا أن نردد القول للدكتور “جلال الدقير”:
كتير الفيهم أحسنت وعليك اتباهو
جاهم ريش تقو وكفك نسو الأداهو
ود الدابي صح بلدغ الرباه
وأبو قنفد حقيقة بجرح الحباه
شكراً للأقدار وتصاريف الزمان التي جعلت من الحلم سبة ومن التقدير إشانة سمعة.. ومن الصمت خوفاً والترفع دنية.
(2)
{في الساعات الأولى من نهار (الخميس).. كان موقف مواصلات (كركر) من غير عادته، الحافلات التي كانت تغلق الطريق المؤدي لجسر إستاد الخرطوم قد انصرفت.. والزحام الذي تشهده المنطقة بسبب الوقوف المتعمد في منتصف الطريق لا وجود له.. كانت الساعة التاسعة إلا ربعاً والمكان خالياً من الباعة (الجائلين) وسيارات النظافة تجوب المنطقة ورجال المرور في قلب المعركة، ينظمون السير بعد أن ارتبط وجود شرطة المرور بالجبايات والتحصيل والغرامات باعتبارها الأصل وما عداها سنة حميدة..
{تبدت دهشتي لوجود عمال النظافة.. ولكن فجأة وجدت معتمد الخرطوم الفريق “أبو شنب” وسط المواطنين لا يحمل عصاة يهش بها الرعية ولا يحيط نفسه بجنود غلاظ أشداء يبعدون عنه المواطنين، رغم أن الجنرال “أبو شنب” (فريق أول) في القوات المسلحة.. كان بسيطاً جداً في ملابسه.. يجوب (راجلاً) موقف المواصلات.. لم يجمع إدارات المحلية حتى لا يثير انتباه الناس.. جاء لوحده.. وحينما شعرت الشرطة بوجوده قررت أن تقوم بدورها الغائب في تنظيم حركة المرور، واتخذ سائقو الحافلات مساراتهم الطبيعية.. ونهض عمال النظافة بواجبهم، والفريق “أبو شنب” يوجه.. ويتحدث للناس عن مشكلاتهم.. اقتربت منه امرأة مسنة لم ينهرها.. قال لها قولاً ليناً فابتسمت في وجه الجنرال الذي وجدته غارقاً في السوق يكتشف أمراضاً بنفسه ويدون تقارير كاذبة.. و(تنويرات) خادعة. إذا كان منهج الفريق “أبو شنب” في المتابعة وتنظيم الأسواق والوقوف بنفسه على مشكلات الخرطوم هو منهج لكل معتمدي ولاية الخرطوم وسياسة لمجلس وزراء الفريق أول “عبد الرحيم محمد حسين”، فإن الشعور الذي تسرب للزملاء الصحافيين بفشل تجربة “عبد الرحيم” سيتبدد لشيء آخر.. وأن الرأي العام السالب في حكومته تغيره سياسات حكومة “عبد الرحيم” بنفسها؟؟ ولكن إذا كان الفريق “أبو شنب” يجوب الأسواق والأحياء السكنية وغيره يتابعون برامج خطوط عريضة في مكاتبهم حتماً ستفشل حكومة “عبد الرحيم”، وإذا كان “مجدي عبد العزيز” الموصول بالقصر الرئاسي قد شغلته (خلوة) شيخ “الأمين” عن موقف الشهداء.. فإن الجنرال “أبو شنب” مطالب بزيارة في منتصف النهار لمنطقة المرديان حتى يكتشف بنفسه ماذا يفعل تجار دلالة العربات في هذه المنطقة.. وواجب معتمد كرري زيارة سوق خليفة وسوق صابرين ليكتشف الأسباب التي تجعل أمراض الباطنية متفشية في تلك المناطق النائية.
(2)
{“فتحي الضو” الصحافي المقيم في بلاد الإفرنج من سنوات ويدعي وصلاً بالمعارضة.. وقدرة على كشف أقنعة النظام الأيديولوجية والسياسية وتجريده من كل فضيلة.. أصبح اليوم مثار سخرية وتندر وضحك وسط قطاعات عريضة من المجتمع السوداني. “فتحي الضو” تعرض لخدعة ماكرة من جهة ما.. باعت إليه (الترام) كما تقول الصحافة الرياضية.. سربت إليه ما يسمى بالمعلومات المسكوت عنها فكتب الرجل عن خفايا وأسرار حصل عليها من شخص تسربل برداء العالم ببواطن الأمور وخفايا وأسرار الإنقاذ التي إذا نشرت ستهز عرشها وتزلزل أقدامها.. “فتحي الضو” لقلة حيلته توهم أنه بطل وعقل خارق.. وانطلت عليه خدعة ذكية جعلته يمشي عارياً سربت إليه وثائق (مضروبة) وأخرى من شاكلة تقرير عن اجتماع حزب الأمة القومي مع لجنة حشد الطلاب، ووثيقة عن اجتماع الاتحادي (الأصل) المكتب السياسي بولاية الخرطوم، واجتماع لحزب الأمة بجامعة الإمام “الهادي” وتقرير عن خريجي الاتحادي ووثيقة عن اجتماع مشترك بين مكتب الطلبة بالحزب الشيوعي ومركزية الجبهة الديمقراطية وموقف حركة العدل والمساواة من ملتقى أم جرس، ومعلومات عن جلسة أسرية لرابطة طلاب دارفور بجامعة الزعيم الأزهري.. هل مثل هذه العناوين هي أسرار تجعل من يحصل عليها ينفش ريشه.. ويمشي مختالاً وسط الناس، فكأنه يخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولاً.. والمسكين لا يدري أنه ضحية لمن (باعوه) بضاعة كاسدة وعملة مضروبة.. وما ينشره “فتحي الضو” في الخارج يثير الشفقة والرثاء لحال شخص يعتمد على معلومات جلسات الأنس في الأفراح والأتراح، ويحتفي بها بسبب الغربة الطويلة التي جعلته بعيداً عن الواقع.
{لأكثر من ساعتين فرض علي أستاذي “محمد حامد آدم” الشاعر والأديب صاحب قصيدة ضابط السجن أن أبقى بين جدران استوديوهات الإذاعة وخلف الأجهزة الصوتية، والشاعرة “إيمان محمد الحسن” ونجتر معه ذكريات كادقلي الثانوية.. وبدايات التمرد.. وتنظيم الصخرة السوداء في تلك المدرسة العريقة التي فصلت منها في العام الأول.. وكان منتظراً أن أعود لرعي (بقراتي) في بادية الحوازمة لولا جهود أخي “إبراهيم أحمد عبد المنان” والعميد حينذاك “حسن كربة صالح” ومذكرة الراحل “ونسي محمد خير” لصديقه “علي النحيلة” وأستاذ “معتصم ميرغني حسين زاكي الدين”، أعادني إلى تلك الديار والأيام الخوالي من خلال (أسمار وأفكار) التي يعدها ويقدمها الشاعر الذي كتب أغرب الألحان:
رويحة الهاوي يا مجافي يطول عمرك مع العافي
حليل أيام بسيمتك لي
بتوري قليبك الصافي
بريدك من زمن لسع
فريع نوار دوب فقع
بريد عينيك يشيلوني
قليبي يدودي ما يرجع
وتعبير يدودي لم يرد على لسان أي شاعر من قبل، ولكن “محمد حامد آدم” يطوع الحرف بطريقته الخاصة، ولكن مواهب ابن الحمادي تتعدد لعمق التقديم وسعة المعارف والرؤى العميقة والفكرة الثاقبة.. وكل (جمعة) والجميع بخير.