أهمية التعليم.. العودة لمقاعد الدرس بقرار رئاسي.. أحوال أسرية
مريم الطاهر التي تعمل (فرّاشة) في إحدى المدارس لم تحرم أبناءها من التعليم رغم ضيق ذات اليد، مقابل الرسوم التي تفرضها المدارس على الطلاب تقف حائلاً أمام الاستمرار، فضلاً عن المسلتزمات الأخرى من لبس وكتب وكراسات كلها على عاتق الأسر، تجتهد كثيراً حتى لا يخرج أبناؤها من منظومة التعليم التي تعده بات مهماً ولا مناص منه.
وفي خطوة عدت مهمة وجه رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير لدى مخاطبته جماهير مدينة الحصاحيصا مطلع الأسبوع الماضي في افتتاح مصنع (سور) للغزل والنسيج، بتقديم أي أم وأب يرفضان إلحاق طفلهما بالتعليم للمحاكمة، وقال: “أي طفل بلغ ست سنوات لابد من إلحاقه بالتعليم، وفي حال رفض والداه يقدمان للمحاكمة بسبب التقصير”.. توجيه السيد الرئيس خطوة إيجابية وفي الاتجاه الصحيح، لكن قبل ذلك لابد أن يكون هناك توجيهات تعزز وآليات تنفذ، ما هي وكيف، هذا ما سيتضح من خلال التقرير التالي.
تضحية لابد منها
اتفقت خديجة فاروق (موظفة) مع مريم، وقالت: “نحن أيضاً مع توجيهات الرئيس لكن قبل ذلك لابد من إزالة كل ما يعوق الأسر ويقف حجر عثرة أمام إلحاق أبنائنا بالمدارس”. وتابعت: حتى يذهب الطفل إلى المدرسة يجب أن توفر له الأسرة اللبس والغذاء، وفي المدرسة يجب أن يجد بيئة صالحة وجاذبة للتعليم، وأن لا تحاصر الأسر بالرسوم الكثيرة التي تطلبها المدارس من حين لآخر، وليس في استطاعتها ذلك خاصة تلك التي يكون أفرادها (7) أو(8)، ماذا ستفعل بالتأكيد ستضحي باثنين لتعليم الآخرين.
تخفيف مسؤوليات
لم تواجه ابتسام محمد (ربة منزل) أي مشكلة في تعليم أبنائها الصغار، وقالت: “لم تواجهني مشاكل في تعليم صغاري، المدرسة تتقاسم معنا الأعباء، وتحاول مديرة المدرسة تخفيف المسؤوليات عنا، وعندما يأتي خيرون بلبس توزعه على الطلاب دون تردد، غير أنها لا تضايقنا في رسوم المدرسة المفروضة على كل طالب”. “وبالرغم من أن مدرسة خولة بنت الأزور الحكومية بنات تتخذ وسط حي بري الدرايسة مقراً لها، إلا أن عدد طالباتها قليل ولا يناسب موقعها”.. هكذا ابتدرت وكيل المدرسة (علوية حسين) حديثها، وقالت: “يتراوح عدد طالبات الفصل الواحد بين (12 – 30)، وبعد البحث عن الأسباب وجدنا أن أغلب الطالبات من ذوي الدخل المحدود بعد أن اختار الآخرون إلحاق بناتهنّ بمدارس خاصة أو حكومية مجاورة، لتدني مستوى طالبات المدرسة، الذي يعود لإهمال أسرهنّ وعدم اهتمامهنّ بمراجعة الدروس. وأشارت علوية إلى أن المدرسة تعاني مشاكل كثيرة أولها البيئة غير الجاذبة للتعليم، ويؤول فصلين منها بالإضافة إلى مكاتب المعلمين للسقوط سيما في فصل الخريف حيث تمتلئ بماء الأمطار. وقالت: “نحن وحدنا لا نستطيع أن نفعل شيئاً خاصة وأننا لا نجد دعما من أولياء الأمور”. وأردفت: “لكن الأسبوع الماضي أتى بعضهم وأبدوا رغبتهم في المساعدة.. نتمنى استمرارهم”.
مطالبات مخجلة
وطالبت علوية الحكومة بتوفير دعم يلبي احتياجات المدرسة حتى نخفف المسؤوليات عن كاهل الأسر التي نفرض عليها مبلغ (10) جنيهات شهرياً ندفع منها فاتورة الكهرباء والمياه، وعدد من الاحتياجات، بالإضافة إلى توفير الكتاب المدرسي الذي يأتينا على دفعات أثناء السنة الدراسية، وهذه الطريقة غير مجدية، ومؤكدة ضرورة إنزال مجانية التعليم بحق وحقيقة، لأن الحكومة لا تدعم المدارس بأي شيء حتى كراس تحضير المعلم نشتريه من حسابنا الخاص، والحقيقة المطالبات الكثيرة للأسر باتت مخجلة بالنسبة لنا، لكن لا سبيل لنا غير ذلك.
رسوم مفروضة
فيما أكد مدير مدرسة – رفض ذكر اسمه – أن توفير كل الوسائل التعليمية هو الحل. وقال: “اكتمال المدارس بمراعاة عدم النقص في المعلمين والمباني والإجلاس، ودفع فواتير كهرباء ومياه، لن يحوج الأسر إلى دفع أبنائهم إلى سوق العمل الذي يبقى جاذباً أكثر من المدارس التي لا يستطيعون ملاحقة مصروفاتها وطلباتها التي تفوق دخلها”. ولفت إلى أن رسوم امتحانات شهادة مرحلة الأساس وصلت (60) جنيها بعد إضافة رسوم الامتحان التجريبي للطلاب النظاميين، أما اتحاد المعلمين فـ (170) جنيهاً، أما طلاب المنازل فرسومهم أقل من (100) جنيه، ناهيك عن رسوم امتحانات نصف العام والاختبارات التي تتخلل ذلك، حقيقي فوق الطاقة.
تهيئة وإمكانات
من جانبه، يرى الخبير التربوي مصطفى عابدين أن القرار يمضي في الاتجاه المراد، ولكن حتى يتم تنفيذه يجب أن تكون الأسر مهيئة لذلك، بتوافر الإمكانيات التي تمكنها من إلحاق ابنها أو بنتها بالمدرسة. وقال: “عندما لا تستطيع الأسرة تلبية احتياجات ابنها من لبس وغذاء ومصروفات مدرسية لن تلحقه بالمدرسة، بل سينضم لسوق العمل الذي أصبح جاذباً في ظل تدني الدخل الشخصي وحاجة الأسر لذلك، فما على الدولة إلا إعلان مجانية حقيقة توفر من خلالها كل احتياجات المدرسة التي تدفعها الأسر نيابة عنها، حتى يلتحق الأطفال بالمدارس ويتوقف نزيف تسرب الموجودين فيها بنسب عالية، وما يدفعهم المساعدة في صرف الأسرة، فضلاً عن تأهيل المدارس وتوفير بيئة جاذبة تمنع اللجوء للمدارس الخاصة”.
الإنسان أولاً
لفت مدير معهد حقوق الطفل ياسر سليم إلى نجاح تجربة والي البحر سابقاً مشروع (التعليم مقابل الغذاء). وقال: “أهم ما فعله محمد طاهر أيلا وأنجح مشروعه أنه كان يعلم ثقافة المنطقة وبيئتها وبنى مشروعه على ذلك الأساس”. وأضاف: بما أن مجانية تعليم الأطفال أحد الحقوق الدستورية التي ترتبط بالمستقبل ولابد من التركيز عليها ودعمها، خاصة ولاية الجزيرة التي لدى واليها تجربة ممتازة في هذا الشأن ويحتاج أطفالها لدعمه حتى لا يضطروا للعمل في الطرقات بائعين للمناديل أو ماسحين لزجاج السيارات، كما نرى جمعياً، وهي أحد التحديات التي تواجهنا الآن ويجب إرجاعهم إلى صفوف الدرس”. ويرى ياسر ضرورة معالجة ضعف الميزانيات وتحقيق التعليم المجاني والإلزامي، لزيادة نسبة الإلحاق بالمدارس. وقال: “يجب انتشال الأطفال من الجهل والفقر والمرض، خاصة وأن المنظمات لا توفر ميزانية وتقدم دعماً إلا لمناطق النزاعات، وولاية الجزيرة خالية منها، إلا أن أطفالها يكتوون بنار الجهل، وليس لديهم وجيع يحميهم، وفي وقت الحارة الكل بيرجع إلى جذوره”. وتابع: لذلك لابد من تعزيز حديث الرئيس مع تجربة الوالي أيلا، ووضع الأولوية لإنسان الولاية.
بيئة طاردة
أشارت الناشطة في العمل الطوعي فاطمة شعيب إلى تجربة أيلا السابقة ودعمه الإيجابي للتعليم (الغذاء مقابل التعليم) الذي لاقى نجاحاً واسعاً. وقالت: “نحن نحتاج مثل هذه المشاريع حتى تساهم بإيجابية في حل المشكلة التي تفاقمت وصارت بيئة التعليم طاردة”. وأرجعت نجاح المشروع للمعرفة العميقة للمنطقة وثقافتها وطبيعة أهلها. وطالبت الحكومة بزيادة ميزانية التعليم من الدخل القومي مثل ما تدعم ميزانية الدفاع والأمن والمخابرات. وقالت: “هولاء أمن دولة والتعليم مثلهم لأنه يؤمنها بالعقل والعلم”.
زهرة عكاشة
صحيفة اليوم التالي