الطاهر ساتي

شعار ساكت

:: أشعب، لم يكن أكولاً فقط، بل كان موهوماً أيضاً.. ذات مساء، نشر أشعب في قريته شائعة مفادها أن لسلطان القرية وليمة إفطار دسمة.. وإنتشرت الشائعة وعمت القرية وما جاورها، ونام أهل القرى على جوع لكي يشبعوا صباحاً في وليمة السلطان..ومع أول الفجر، سمع أشعب صخباً وضجيجاً خارج الدار .. فخرج، و تفاجأ بغبار أهل القرى وهم يتسابقون – حفاة وعراة – إلى دار السلطان .. ضحك على حال أهله وأعجبه نجاح شائعته وتأثيرها..ثم فجأة، إلتحق بركب المهرولين و سبقهم بلسان حال قائل : ( يمكن كذبتي تطلع صاح)..!!
:: وبصحيفة الرأي العام، عدد البارحة، خبر في مساحة (بوصة في عمود)، وهذه من مقاييس أهل الصحافة، ولكن حين نترجمها للقارئ فتلك مساحة لا ترى بالعين المجردة ..ويقول العنوان الخجول (الحركة الإسلامية ترتب لإطلاق مشروع البنيان المرصوص) ..قبل التفاصيل، فأن مساحة الخبر – وموقعها في ترتيب صفحات الصحيفة – تعكس حال الحركة الإسلامية .. فالصحيفة ملأت فراغاً صغيراً في أخيرتها بهذا الخبر، ولو وجدت مادة منوعات لما وجد الخبر طريقا إلى تلك المساحة .. وسبحان مغير الأحوال..قبل سنوات قليلة، إذا حياك أحد الشيوخ – باسم الحركة الإسلامية – في مناسبة إجتماعية كنت تجد تحيته في صحف اليوم التالي ( مانشيات حمراء)..!!
:: والمهم، تفاصيل الخبر .. الدكتور عبد الله يوسف، أمين أمانة الإتصال التنظيمي بالحركة الإسلامية، خاطب الملتقى التنظيمي المركزي السابع للحركة الاسلامية، والصحيفة نقلت بعض خطابه الى تلك المساحة .. هل سمع أحدكم بهما؟، بالدكتور عبد الله يوسف والملتقى المركزي السابع للحركة الإسلامية .. ربما .. لكن (أنا)، وأعوذ بالله من (أنا و أنتم)، لم أسمع بهما إلا ( أُمبارح).. سبحان مغير الأحوال أيضاً.. قبل سنوات قليلة،عندما يلتقي ثلاث من شيوخ الحركة الإسلامية في موقف مواصلات أوملتقى طرق، كان يتحول هذا اللقاء – في صحف اليوم التالي – إلى أخبار وتقارير وحوارات و صخب وإزعاج.. ولكنهم يلتقون اليوم مركزياً، ولا يسمع بملتقاهم إلا أحد المحررين بالرأي العام ..!!
:: وفي التفاصيل أيضاً، وعد شيخ عبد الله أهل السودان بإطلاق مشروع البيان المرصوص خلال هذا العام.. وقد يسأل القارئ، مشروع البنيان المرصوص (يعني شنو؟)..لقد شرح شيخ عبد الله معنى المشروع في مٌتن الخبر ..فالرجل يتوجس، ويرى أن أكبر تحدي يواجه الحركة الإسلامية هو الإستمرار في مشروع الهجرة إلى الله، وألا يكون هذا المشروع موسمياً.. هذا ليس تحدياً، فالتحدي الوحيد الذي يواجه الحركة الإسلامية هو إثبات وجودها و أنها لم تعد مجرد كيان هلامي في مخيلة البعض .. وما علينا، فالمهم عقد شيخ عبد الله العزم بأن تكون هجرة أهل السودان إلى الله ( يومياً) أو ( أسبوعياً) أو (شهرياً)، فالمهم ألا تكون موسمياً ( زي الخريف).. !!
:: ولكن، ما لم أكن مخطئاً في فهم علاقة المسلم بالله ورسوله الكريم والإسلام و أركانه و قيمه – وهي المسماة هنا بالهجرة إلى الله – فانها علاقة خالية من تقسيمها إلى ( أزمنة).. أي هي هجرة بمثابة إيمان بالله على مدار اللحظة وحتى الممات، وذلك بإجتناب الذنوب والإجتهاد في الفضائل ..ولذلك نسأل، أية هجرة تلك التي كانت (موسمية)، ويسعي شيخ عبد الله لتحويلها إلى (يومية أو أسبوعية)؟.. لا تُوجد مثل هذه الهجرة إلا في مخيلة شيخ عبد الله، وقد صدقها .. فليهرول لها كما فعل أشعب ..!!