جعفر عباس

زُر كذا دولة من دون أن تسافر


لفت نظري مراراً أن كثيرين ممن حولي لا يعرفون كيف يكتبون السيرة الذاتية عند التقدم لشغل وظيفة ما، وحتى الذين يكتبون سيرهم الذاتية بطريقة مميزة، يستهلّونها بكلام فارغ لا يقرأه أحد (أرغب في الحصول على وظيفة تتطلب روح التحدّي، والعمل الجماعي لأضع خبراتي ومؤهلاتي على المحك وأفيد وأستفيد)، وتفوت على كثيرين أمور معينة فلا يتطرقون إليها.
من ذلك مثلاً «درجة» إتقان اللغات، والبلدان التي زارها صاحب السيرة. وبالمناسبة فإن إعداد السير الذاتية يتطلب قدراً من الفهلوة، والشاطر هو من تكون لديه أكثر من سيرة ذاتية: هذه للوظائف الحكومية، وتلك للوظائف في القطاع الخاص، والثالثة للشركات الأجنبية، يعني نظام لكل مقام مقال، فتختلف سيرة الشخص الواحد في تفاصيل بسيطة بما يناسب ما تطلبه الجهة التي يرغب في العمل لديها، وحكاية زيارة البلدان الأجنبية تعتبر مؤهلاً لا بأس به لدى الشركات الغربية لأنها دليل على «سعة الأفق وغزارة التجربة».
ولهذا السبب فقد أنفقت الروسية أيرنا لابينكوفا أربعمائة دولار لزيارة خمس دول في أمريكا اللاتينية، وطبعاً حتى أغبى الأغبياء يعرف أن 400 دولار لا تكفي حتى للجلوس مع الأمتعة في الطائرة في رحلة ما بين موسكو وطهران، دعك من رحلة من قلب القارة الآسيوية إلى قارة أخرى تبعد عنها نحو عشرين ألف ميل، ولكن بفضل التكنولوجيا الحديثة بات بإمكانك أن تسافر إلى الخارج من دون أن (تسافر). وسأشرح هذا لاحقاً.
آيرينا هذه عانت من أن المدير الذي تعمل معه في الشركة يسافر سنوياً إلى مختلف القارات، ويحترم الموظفين الذين يقضون إجازاتهم خارج روسيا ويعطيهم العلاوات والترقيات – أكدت دراسات أجريت في عدد من الدول الغربية أن الموظف الذي يعتني بمظهره ويحمل حقيبة فخمة، ويمارس البكش مع رؤسائه يكون أوفر حظاً في الترقيات والعلاوات.. طبعاً الوضع سيم سيم – أي نفس الشيء – عندنا، فكم من طبل أجوف وخرنق، وجاهل عصامي، تجده في مكان العمل، فتحسب من فرط أناقته أنه موفد من قبل شركة إنتاج سينمائي في هوليوود، ثم تكتشف أنه يرتكب سبع جرائم لغوية في إيميل من عشر كلمات «سنقومو بالللازم بعد زبط الحاسبتات والتؤكد من أنها سحيحة»، ولكن لو كنت تتمتع بصلات قرابة أو مصاهرة أو مصلحة مع شخص متنفذ فإن أمورك تصبح سالكة حتى رغم أنف رئيسك المباشر في العمل.
نعود إلى آيرينا التي كانت تعرف أن مواردها المالية لا تسمح لها حتى بقضاء ليلة واحدة في فندق محترم داخل مدينتها موسكو، ومع هذا نجحت في زيارة البرازيل والأرجنتين وتشيلي وبيرو وبوليفيا! كيف؟ عثرت على شركة تنظم رحلات افتراضية virtual tours وتزود الزبائن بكعوب تذاكر وفواتير من فنادق 4 نجوم في هذا البلد أو ذاك، بل قد تنال فوق ذلك قرصة في الذراع أو الخد بما يفيد بأنك تعرضت للسع الحشرات في غابات الأمازون. وكل هذا مصحوبٌ بعروض أفلام ومحاضرات عن البلد الذي تودّ زيارته من دون أن تسافر.
ولا تنسى الشركة تعليمك بضع كلمات من لغة ذلك البلد حتى تكون أكثر إقناعاً وأنت تحدث زملاءك عن رحلتك الوهمية.. ولو أردت أن تزعم أنك زرت مناطق الآثار النوبية في مصر أو السودان – مثلاً – فإنني على استعداد لتلقينك كلمات مثل مسكاقمي.. سِكّرفي (كيف حالك) كج نندي (حمار بجدارة).. هل لاحظت أن الناس كلما ذهبوا إلى بلد ما يكونون ميالين الى التقاط مفردات السباب والشتيمة.
ربما لأنها لغة الشارع التي تصادفك أينما تذهب؟ والخلاصة: لسنا وحدنا من يعتبر السفر في الإجازة نوعاً من الوجاهة!

jafabbas19@gmail.com