تحقيقات وتقارير

“النهضة” سيكون في صالح مصر وإثيوبيا معا اقتصار الدراستين الإضافيتين على تعديلات طفيفة في هيكل السد.. لكن كيف ينتهي عراكهما حول فترة التخزين

كما لو أنهما يسابقان عنفوان النيل الأزرق سيدخل الوفدان المصري والإثيوبي غرفة المباحثات التي ستنطلق اليوم بالخرطوم بذات الملامح العدائية التي غادرا بها آخر جولة بينما سيأتي الوفد السوداني كعادته مستلفا هدوء وسلاسة النيل الأبيض لا يهمه أن يلتزم أي من الخصمين بما تواثقا عليه من قبل تحت وساطته ولا أن يتنصل أحدهما أو كلاهما عنه سواء عقدت المباحثات على المستوى السياسي وفي أعلى مستوياته أو عقدت على مستوى الفنيين كما هو حال الجولة الراهنة.
المفارقة حول سد النهضة أن المباحثات لم تتعطل قط ولم يصفها أي من الأطراف الثلاثة بأنها “فشلت” رغم أن الجولات التفاوضية المتكاثرة لم تفلح في إحراز تقدم عملي وليس نظريا بشأن كيفية تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية المتعلقة بإجراء دراستين إضافيتين لضمان عدم تأثر حصة الجانب المصري من المياه والذي يحرص دائما على تصوير الأمر بأنه هم سوداني أيضا.

كان تقرير لجنة الخبراء الدولية مهما بالنسبة لمصر لكنه لم يكن بنفس المستوى بالنسبة لإثيوبيا التي استبقت الإعلان الرسمي عنه بتغيير مجرى النيل الأزرق في مايو 2013 كخطوة فاصلة ومحورية في تشييد هيكل السد الذي أنجز بالفعل نحو 50 % منه بينما لا يزال الخلاف محتدما حول كيفية تنفيذ الدراستين الإضافيتين المعنيتين بالأساس بسلامة السد ومنصوص عليهما في توصيات اللجنة الدولية.
منذ تغيير مجرى النيل الأزرق وحتى إعادته إلى مجراه الطبيعي قبل أسابيع في خطوة تدلل هي الأخرى على تقدم عملية الإنشاء وقرب عملية التخزين التي تتخوف منها مصر، منذ ذلك الوقت عقدت اجتماعات شتى على مستوى الفنيين وعندما تعثرت تمت الاستعانة بوزراء الري وعندما فشلت هي الأخرى تمت الاستغاثة بوزراء الخارجية لتوفير الدعم السياسي لكن هذه أيضا لم يكن حظها أفضل من حظ المستوى الرئاسي للمباحثات والذي كان آخر حلقة توجت بتوقيع الزعماء الثلاثة على إعلان مبادئ في مارس الماضي سرعان ما ظهرت الخلافات حول تفسير بنوده عندما طلب من المستويات الأدنى تنفيذه.

لم تكن الخلافات بين مصر وإثيوبيا فحسب وإنما امتدت أيضا للشركتين الهولندية والفرنسية اللتين تم التوافق حولهما بعد جولات متطاولة لإجراء الدراستين الإضافيتين فاختلفت الشركتان حول مهام أي منهما وهو ما تم تفاديه بعد أشهر من التفاوض باختيار شركة فرنسية أخرى بديلة للشركة الهولندية.
تناقش اللجنة الفنية المشتركة في اجتماعها الذي يبدأ اليوم المقترح الفني المعدل المقدم من الشركة الفرنسية (بي. آر. ال) والذي تم تعديله ليتضمن شركة (أرتيليا) الفرنسية حيث تقوم الشركة الأولى بنسبة 70% من الدراسات بينما تتولى الـ30 % المتبقية الشركة الثانية حسب ما أفاد رئيس الجانب السوداني سيف الدين حمد في بيان صحفي أشار فيه أيضا إلى أنهم بصدد “التوصل لمقترح موحد يستوعب ملاحظات الدول الثلاث، كما أنه سيكون هناك اجتماع مع الشركتين يومي الاثنين والثلاثاء للوصول إلى الرؤية الموحدة والتي سيتم تنفيذ الدراسات عليها”.
وهذه الرؤية الموحدة التي سيعمل المستشار القانوني ممثلا في شركة كوربت البيرطانية والتي ستكون حاضرة في الاجتماع، سيعمل على وضعها في “الصورة القانونية النهائية” لا تبدو مهمة بقدر أهمية ما ستوصي به الدراستان وتنفيذهما من عدمه لا سيما إذا جاءت التوصيات مساندة لوجهة النظر المصرية المتخوفة أصلا من جدوى الدراستين مع إصرار الجانب الإثيوبي على الاستمرار في تشييد السد.

وما يعزز هذه المخاوف أن الدراستين ستستغرقان نحو 8 أشهر أي سيتم إعلانهما رسميا مطلع العام 2017 وهو العام الذي أعلنته أديس أبابا مسبقا للانتهاء من تشييد السد والبدء في عملية التخزين والتي لم يبدأ حتى الآن التفاوض رسميا حول مدتها الزمنية التي تحدد عمليا مدى تأثر الحصة المصرية من مياه النيل والبالغة 55.5 مليار متر مكعب.
وبالطبع سيكون في صالح مصر وإثيوبيا معا لو اقتصرت توصيات الشركتين الفرنسيتين على إجراء تعديلات طفيفة على هيكل السد مرتبطة بما تبقى من مرحلة التشييد وليس ما شيد بالفعل لكن المؤكد أن عراكهما سيطول حول فترة التخزين التي تريد مصر أن تمتد في حدود 10 أعوام حتى لا تتأثر حصتها المائية بينما تجادل إثيوبيا بأنها لا تستطيع تعطيل مشروع أنفقت عليه مليارات الدولارات كل هذه المدة قبل دخوله الخدمة التي تعنى لها “النهضة” من واقع جعلها أكبر مصدر للكهرباء في القارة السمراء وبأسعار تنافسية.

محمد الخاتم
صحيفة اليوم التالي