الحوار الوطني… ثم ماذا بعد هذا؟
الانتظار لمآلات عملية الحوار الوطني في السودان باتت علامة بارزة في ظل توقعات أن تشكل المخرجات بعد مداولات استمرت أربعة أشهر واقعاً سياسياً جديداً أبرزه إعادة هيكلة الدولة، لكن ماذا بعد هذا؟
تكتسب عملية الحوار الوطني أهمية بالغة من كونها مبادرة أودعها رئيس الجمهورية عمر البشير منضدة المائدة المستديرة بمشاركة الأحزاب التي تشكل داعماً للحكومة والقوى السياسية المعارضة.
وعلى الرغم من التحفظات والشروط والمطلوبات التي وضعتها الحركات المسلحة أو الأحزاب الأخرى التي لم تشارك في عملية الحوار، إلا أن القطار يصل إلى محطته الأخيرة وفي مقطورته ست قضايا ظلت تؤرق البلاد منذ الاستقلال عن: هُويته، وتحقيق السلام والوحدة، وإعادة النظر في العلاقات الخارجية ووضع هوادي لها، ومعالجة المشكلة الاقتصادية، وتعزيز الحريات والحقوق الأساسية بالإعلاء من شأنها، وآخرها الإجابة على سؤال كيف يحكم السودان من خلال لجنة قضايا الحكم وإنفاذ مخرجات الحوار.
واقع سياسي جديد قادم
اللافت في أن الحوار الوطني الذي تشكل من ست لجان حول الأزمات المستعصية، أنه تطرق إلى كل القضايا المسكوت عنها منذ سنوات وإخراجها إلى دائرة الضوء وأبرزها قضية العلاقة مع “إسرائيل”.
وكانت المفاجأة لأحزاب المعارضة المدنية والمسلحة أن اللجان في قاعة الصداقة تناولت كل أفكارهم ورؤاهم حول مستقبل السودان ولم يتركوا شاردة ولا واردة في بياناتهم السياسية إلا وكانت حاضرة في التوصيات والمخرجات النهائية، بما في ذلك حكومة مابعد الحوار الوطني، على الرغم من المسمى المختلف حوله داخل لجنة قضايا الحكم، وذلك بأن تكون حكومة انتقالية أو وفاقاً وطنياً.
وترجح التوقعات أن تتشكل حكومة جديدة بعد إجازة التوصيات النهائية لعملية الحوار الوطني في الجمعية العمومية، ومن المأمول أن تواصل التفاوض مع الحركات المسلحة والأحزاب الرافضة للوصول بالعملية السلمية إلى نهايات مبشرة.
تحالف أحزاب الحوار
لم يعد من المستبعد أن ينشأ تحالف سياسي جديد بعد انتهاء عملية الحوار الوطني يضم مجموعة كبيرة من الأحزاب السياسية المشاركة في اللجان الست بعد التقارب في الأفكار ووضع الحلول لأزمات السودان، ولن يكون من المستغرب أن يتشكل التحالف في عدة مراحل، أولها أن تلتقي الحركات الحاملة للسلاح واستجابت لنداء الرئيس، وليس بعيداً عن الحسبان المنظومة الخالفة المتجددة التي طرحها المؤتمر الشعبي بقيادة زعيمه د.حسن الترابي، فيما عرف بالنظام الخالف، وقد تلتقي التيارات الإسلامية مرة أخرى في جبهة سياسية تعيد للأذهان الجبهة الإسلامية القومية، أو ربما تتطور فكرتها لتستوعب أحزاباً أخرى لا تختلف برامجها عنها كثيراً. ولن تقف الأحزاب أو الحركات الأخرى في موقف المتفرج، هنا قد تبرز كتل سياسية كبيرة.
البشير… الاجماع عليه رئيساً
يحاول بعض المعارضين في الساحة السياسية تجاوز الإحراج حول مقترحات التفاوض أو الحوار وفقاً لما يتمخض عنه في الآخر -وذلك من خلال مزايدات إعلامية ليس إلا- في أن الحل أن يستمر الرئيس عمر البشير في الحكم.
وتأتي هذه الفرضية السياسية من أن أحزاب المعارضة في الحوار قد أقرتها، وواقعياً تعترف بها الحركات و الأحزاب الرافضة من خلال منابر التفاوض في خارج السودان، ولضرب المثل باتفاقية السلام بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال التي عرفت لاحقاً باسم “اتفاقية نافع- عقار”، وتتولد لدى المعارضة قناعة أن الرئيس عمر البشير هو أحد الضمانات الرئيسية في تنفيذ مخرجات الحوار أو التفاوض دون أن تترك شكوكهم حول الجدية في التنفيذ.
ماذا بعد الحوار؟
وضع الحوار الوطني في السودان آمالاً عريضة في نفوس المتحاورين بتجاوز الأزمات المزمنة ويترقبون وعد رئيس الجمهورية بتنفيذ مخرجاته النهائية، كما ينتظر المعارضون للحوار تلك النتائج للحكم عليها، وليس ثمة شك في أنه سينقل السودان إلى واقع آخر، ولن يكون الحال كما هو عليه الآن، إما أسهم في جلب المزيد من الاستقرار والأمن في ربوع البلاد وساعد في تخفيف الضائقة المعيشية وبروز كتل سياسية جديدة وأسفر عن انتخابات لمؤسسات الحكم في البلاد لترسيخ مبدأ التداول السلمي تلسلطة، وأدى إلى إنفراج كبير في علاقات السودان الخارجية وتعاون المجتمع الدولي في مجالات شتى، أو أن يأتي عكسياً، وبالاً وإحباطاً، وذلك ما لايتمناه كل عاقل حادب على مصلحة السودان وعزته.
بقلم: طلال إسماعيل
صحفي ومحلل سياسي سوداني
شبكة الشروق