مصطفى أبو العزائم

القبضة الناعمة وضعف المجتمع

تناول إمام وخطيب مسجد حارتنا بالثورة يوم أمس قضية يؤثر الكثيرون الصمت عنها وعدم التعرض لها، سواء أكانوا من علماء الدين أو من علماء المجتمع أو حتى من السياسيين الذين يتحدثون في كل شيء إلا هذا الأمر.
تناول شيخ “الصادق” في خطبته يوم أمس قضية خطيرة تعتبر من المسكوت عنه في مجتمعاتنا الحديثة، التي لا يجد الكثيرون الجرأة ولا الشجاعة للحديث عنها، وهي قضية سيطرة النساء على الأسر، وفرض آرائهن من خلال تمرير ما يردنه على الرجال الذين بات أكثرهم مشغولاً عن الأسرة تاركاً أمر قيادتها للنساء دون تدخل أو توجيه أو تخطيط ومتابعة، وهذا بالقطع جعل العاطفة والانفعال هما خطا البداية والنهاية في كل أمر يتصل بحياة أفراد كثير من الأسر، خاصة في الأمور الحياتية والأسرية وفي كل ما يتعلق بأمور الزواج وتكوين الأسر، فأصبح الشباب عازفاً عن الزواج وعانت بناتنا من العنوسة وتأخر سن الزواج، وماتت رغبات الرجال الطبيعية في التعدد خشية من الضغوط الاجتماعية الجديدة التي قد لا يكون لها علاقة بالدين.
استشهد الشيخ الجليل في خطبته بحديث نبوي شريف جاء فيه عن أبي “هريرة” رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، (إِذَا كَانَتْ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ؛ فَظَهْرُ الْأَرْضِ خير لكم من بطنها، وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ، وَأُمْرُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ؛ فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا).
كان المصلون يستمعون ويتابعون الخطبة باهتمام ظاهر، ومنهم – قطعاً – من يسقط هذا الأمر على نفسه، وبعضهم يراه في غيره، وشباب يؤكدون بينهم وبين أنفسهم على صحة ما ذهب إليه الشيخ “الصادق” في جانب هيمنة كثير من الأمهات على القرار الأسري، وهو ما أخر سن الزواج إلى سن الأربعين وما بعدها للشباب، وإلى ما فوق الخامسة والثلاثين بالنسبة للفتيات، إلا في حالات نادرة، منها طبيعة المجتمع نفسه لأن مجتمع القرية يختلف في قيمه عن مجتمع المدينة، ومجتمع المدينة نفسه ينقسم إلى درجات وطبقات حسب الحالة المالية والاقتصادية والاجتماعية للأسر.
هناك أسر واعية تحكمها قيم الدين والشرع والعقل، تعمل على تزويج أبنائها وبناتها حال بلوغهم السن المناسبة، وليس من معيار سوى أن يكون الشباب ممن نرضى دينه وخلقه، ولكن أين هذه الأسر الآن(!)
إنهم قلة وسط محيط عريض وواسع لا يعرف إلا ما تأثر به من قصص وحكاوى خيالية إما شاهدها في الأفلام والمسلسلات، وإما طالعها وتابع أخبارها في الصحافة المقروءة أو الإلكترونية أو من خلال وسائط التواصل الاجتماعي.
كثير من المصلين كانوا يتابعون الخطبة باهتمام بالغ وعظيم، وربما كانوا يعترفون بضعف تأثير الأب وأثر رب الأسرة الآن في مجتمعاتنا الحديثة، لكنهم أيضاً يعترفون ً دون تصريح – بضعفهم وقلة حيلتهم في مواجهة هذه القبضة النسائية الناعمة التي أمسكت بخناق الجميع، وجعلت كثيراً من أبنائنا وبناتنا يعيشون بلا أمل في تأسيس حياة أسرية كريمة وشريفة، وهم في ريعان الشباب، والشباب هو مرحلة التكاثر وتحمل الصعاب ومواجهة التحديات. وكثير من شبابنا الآن بات يهرب إلى الخارج ويؤثر الهجرة والاغتراب على أن يبدأ حياته العملية في بلاده، ويعمل على نهضتها من خلال التعرف على طبيعة هذه البلاد والارتباط بترابها وأهلها.
ربما كان كثير من المصلين يفكرون في أبنائهم الذين غادروا إلى المهاجر، أو إلى بناتهم اللائي التحقن بأزواجهن هناك، وربما كان البعض يفكر في ما هو أخطر من ذلك.. في الجيل الجديد الذي ولد في المهاجر وبلاد الاغتراب، لأنه سيكون بلا رابط أو ارتباط بالوطن الأم، ولا علاقة لأكثرهم به إلا في العطلات الصيفية، وهذه – أي العلاقة – ستضعف يوماً بعد يوم.
لقد دق إمام هذا المسجد ناقوس الخطر وأطلق صافرة التنبيه، ونادانا جميعاً لأن نعمل على تصحيح الأوضاع.. هذه مسؤولية المجتمع قبل أن تكون مسؤولية الحكومة.