ثلاثة على الهوا!!
ونحن ندلف إلى المبنى الرئيسي للأدلة الجنائية قبل أيام قليلة، بدعوة كريمة من رئاسة الشرطة للوقوف على مدى التطور الذي تحقق في مجال خدمات الشرطة خاصة في مجالات البحث والأدلة الجنائية وما يرتبط بها من معامل حديثة، وتدريب عالٍ لضباط وصف ضباط وجنود الشرطة السودانية.. أقول إننا ونحن ندلف إلى المبنى الرئيسي كان إلى جانبي الأستاذ “يس إبراهيم” مدير القناة القومية في تلفزيون السودان، الذي قال لي: (كنا في سيرتك قبل يومين أنا والملثم)، وكان يقصد المخرج التلفزيوني المعروف “سيف الدين الملثم”، ثم قال إن الأخير كان يتحدث عن تجربة برنامج (ثلاثة على الهوا) التلفزيوني الذي أعددته وقدمته في تسعينيات القرن الماضي، وقد أخرج حلقاته الأخيرة الأستاذ “الملثم”.
الأستاذ “يس إبراهيم” قال إن هذا البرنامج من البرامج التي تحتاجها الفضائيات الآن، رغم صعوبة إعداده وتصويره، لأن فكرته تقوم على استضافة ثلاثة أشخاص يجمع بينهم رابط مشترك، وتفرقت بهم السبل بعد ذلك كل في اتجاه.
تتم استضافة كل ضيف على حدة، وتطرح عليه الأسئلة المعدة سلفاً، ثم يتم التسجيل مع الضيفين الآخرين كل في مكانه مع طرح ذات الأسئلة، ليتم ربط الاستضافات الثلاث داخل الاستديو، بعد أن يتم طرح السؤال لتسمع بعد ذلك الإجابات المختلفة.
من أبرز حلقات ذلك البرنامج الذي بدأ إخراجه مع المخرج الفنان وصاحب البصمة الفنية المميزة الأستاذ “صالح مطر” تلك الحلقات التي استضفنا فيها الدكتور “غازي صلاح الدين”، ثم البروفيسور “حسين سليمان أبو صالح” وثالث تبخرت صورته من خيالي الآن لحظة كتابة هذه المادة، ليجيب كل منهم على أسئلة تقوم على ثلاثة محاور أولها شخصان للتعرف على الضيف وثانيها مهني للوقوف على دراسته وعمله وثالثها عام للتعرف على تجربته في العمل العام.
وهناك حلقة أيضاً لا تنسى، كانت عن الفن استضفنا فيها الراحل المقيم الأستاذ “أحمد المصطفى” رغم ظروفه المرضية، وكانت آخر ما قدم له من لقاءات، وكان يمثل مرحلة الرواد في الغناء السوداني، إضافة للفنان الأستاذ “كمال ترباس”ممثلاً للفنانين الشعبيين، إلى جانب الفنان الكبير “شرحبيل أحمد” ممثلاً لنوع جديد من أنواع الفنون (الجاز).
لحظة أن تحدث إلىَّ الأخ والصديق الأستاذ “يس إبراهيم” عن ذلك البرنامج تذكرت تلك الأيام وذلك الزمان بمن فيه ومن ضمنهم صديقنا العزيز الأستاذ “صالح مطر” الذي هاجر مثل الكثيرين، واستقر به المقام في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، هو وزوجته وأسرته الصغيرة، وخطر على بالي بصورة تلقائية شقيقة الأستاذ “صدقي مطر” الذي كان من أوائل المهاجرين إلى أوروبا، حيث استقر به المقام في بلجيكا منذ ثلاثة وثلاثين عاماً، وحصل خلالها على الجنسية البلجيكية، وعمل بالتجارة واندمج في المجتمع البلجيكي حتى أنه أصبح عضواً مؤثراً في واحد من الأحزاب السياسية هناك.. ومع ذلك لم ينقطع عن زيارة السودان والتواصل مع أهله.
خطر الأخ “صدقي مطر” على بالي وكنت أتساءل عن مصير ملايين السودانيين الذين هاجروا وتوزعوا على قارات الدنيا القديمة والجديدة، وتساءلت بيني وبين نفسي عن مصيرهم ومصائر أبنائهم، وإن كان سيكون هناك رابط أو تكون هناك صلة بينهم وبين هذا الوطن.
أكملنا زيارتنا تلك لمباني الأدلة الجنائية وعدت من حيث جئت لأفاجأ برسالة من الأخ والصديق الأستاذ “صدقي مطر” أعقبتها دعوة كريمة للمشاركة في اجتماع الجمعية العمومية لجمعية الصداقة السودانية البلجيكية بالخرطوم.. وقد سعدت بدعوته تلك التي كانت مدخلاً لموضوع معهم نكتب عنه غداً بإذن الله تعالى حول دور منظمات المجتمع المدني في كسر طوق الحصار على بلادنا.