بدأت بالترابي وامتدت لرئيس البرلمان الحالي الاعتداءات على المسؤولين.. سياسيون في دائرة عنف المَهاجِر
تكررت حوادث الاعتداء على المسؤولين السودانيين في الخارج من قبل ناشطين معارضين، حتى أوشك الأمر أن يتحول إلى ظاهرة، وهو ما أوجد حالة من ردود الأفعال، حول ما إذا كان الاعتداء اللفظي أو الجسدي على قادة المؤتمر الوطني، يتماشى مع ثوابت العمل السياسي، أم أنه يتعارض ويتقاطع مع روح الديمقراطية.. الشاهد أن العنف الذي يُمارس ضد المسؤولين في رحلاتهم الخارجية، وخصوصاً في المهاجر البعيدة، أصبح في تزايد كبير، وهو ما يعني أن حالة الغبن هناك آخذة في التمدد، سواء كانت بحق أو بدونه، وهو ما يهدد زيارات المسؤولين الخارجية وخصوصاً إلى الدول التي يسمح دستورها بإبداء الرأي المخالف للمسؤولين، حتى إن تطلب الأمر رشقهم بالبيض الفاسد.
من سجلات الماضي
متاعب قادة الإنقاذ مع الاعتداءات الخارجية بدأت مبكراً، وتحديداً حينما أرسل لاعب التاكندو والناشط السياسي هاشم بدر الدين يده الغليظة ناحية الدكتور حسن الترابي، أشهر رؤساء البرلمانات الأنقاذية، أثناء زيارته إلى كندا في بدايات تسعينيات القرن الماضي، وهي الحادثة التي غيّرت الكثير من المفاهيم، لدرجة أن الكثيرين – داخل الحركة الإسلامية وخارجها – اعتبروا الحادثة أثرت في تفكير الدكتور حسن الترابي. وهو السيناريو الذي انتشر على نطاق واسع عقب مفاصلة الرابع من رمضان.
ومن أبرز حالات الاعتداء على قادة الإنقاذ في الدول الغربية، ما تعرض له الدكتور نافع علي نافع خلال حديثه في ندوة مفتوحة بالعاصمة البريطانية لندن، ويومها تطايرات الكراسي عالياً، بعدما أقدم ناشطون على قذف المنصة التي يجلس عليها الدكتور نافع ما أحدث حالة من الهرج والمرج.
أجندة غربية
مؤخراً تكرر ذات السيناريو، مع رجل إنقاذي آخر، في محطة أخرى هي الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك حينما هتف ناشطون في وجه رئيس المجلس الوطني البروفيسور إبراهيم أحمد عمر بمدينة نيويورك التي ذهب إليها على رأس وفد برلماني للمشاركة في اجتماع اتحاد البرلمانات الدولي. ونلاحظ أن الحوادث كلها ذات ارتباط بالندوات، فقد هتف الناشطون في وجه رئيس البرلمان حينما كان يتحدث في ندوة نظمتها السفارة السودانية في المملكة المتحدة. ووصفوه بمزور الانتخابات وغيرها من الهتافات، وهو ما دعا رئيس لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان الفريق أحمد التهامي لمهاجمة الناشطين الذين هتفوا في وجه رئيس المجلس الوطني، وقال في تصريحات بالبرلمان إن الذين هتفوا في وجه رئيس المجلس الوطني ينفذون أجندة صهيونية.
الهتافات التي أطلقها ناشطون في وجه رئيس البرلمان بنيويورك سرعان ما حطت رحالها في الخرطوم محمولة على تطبيق التراسل الفوري “واتساب”، وهو ما أثار موجة من الآراء بين رافض للفكرة على اعتبار أنها تتضمن سلوكاً غير ديمقراطي، وبين من يرى فيها وسيلة للتعبير بعدما سُدّت المنافذ في وجوه الناشطين بعدما أغلقت الحكومة مسارات الحرية بالداخل، ما اضطرهم إلى الجهر بالهتافات في الخارج.
يقول عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المهندس صديق يوسف إن منهج العنف اللفظي أو الجسدى كوسيلة للتعبير عن الآراء، هو سلوك مرفوض بالنسبة لهم في الحزب الشيوعي، باعتبار أن الأمر يتعلق بالعمل السياسي. وأبعد من ذلك يرى يوسف في حديثه مع (الصيحة) أنه يتوجب على من أطلقوا الهتاف في وجه رئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر أو غيره، أن يقوموا بمناقشته بطريقة موضوعية باعتباره شخصاً يمثل حزباً له رؤية وهم كذلك لهم رؤيتهم، وأضاف: “تبقى المسألة هي طرح الرؤية المعارضة لرؤية الآخرين بطريقة عقلانية، وهذا هو أساس العمل السياسي، أما عملية اتباع العنف في العمل السياسي على طريقة الطلبة، فهي ظاهرة غير حميدة، لا نؤيدها ونقف بقوة ضد استخدام العنف أياً كان في الصراع السياسي، وطالب يوسف بأن يكون هناك صراع فكري من خلال مناقشة هادئة ومع المناخ المناسب الذي يمكّن الناس من توصيل رؤيتهم.
بيد أن عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف عاد وقطع بأن استخدام العنف في العمل السياسي بدأه طلاب الجماعات الإسلامية تجاه زملائهم الطلاب في الأحزاب الأخرى، منوهاً إلى أن الظاهرة أخذت في التنامي في ظل هذا النظام بمساندته للطلاب الموالين له. ويذهب صديق لوصف ما يحدث في الخارج من قبل بعض الناشطين بأنها تصرفات فردية وليس عمل معارضة منظمة.
احتجاج عقلاني
الشاهد أن حالات الاعتداء من قبل الناشطين لم تكن حصراً على المسؤولين الرسميين للدولة، أو لممثلي الحكومة، فقد قام ناشطون بسلوك مشابه لما حدث مع الترابي ونافع وإبراهيم احمد عمر، وذلك عندما رفعوا لافتات مناهضة لزيارة وفد المبادرة الشعبية المكونة من بعض زعماء القبائل، والتي أطلقها رجل الأعمال عصام الشيخ بغية تقريب المسافة الفاصلة بين الخرطوم وواشنطن. ويومها بدأ السلوك الاحتجاجي أكثر اتزاناً، وهو ما جعل عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف يصف ذلك السلوك المناهض للزيارة بأنه أقرب إلى العمل المعارض المنظم، وقال إن الناشطين رفعوا لافتات كتبت عليها شعارات وقاموا بمناقشة أعضاء الوفد والمتظاهرين دون التعرض لهم بالاعتداء اللفظي أو الجسدي لأن كل طرف له وجهة نظر يريد توصيلها، وأضاف: نحن مع الصراع السياسي الذي يتبع الطريق الديمقراطي، لكن بكل أسف هذا النظام يقطع علينا هذا الطريق ويمنعنا من هذا التعبير السلمي رغم أننا حزب مسجل، وبالتالي ما يحدث للمسؤولين في الخارج بهذه التصرفات الفريدة هو امتداد لممارسة الحكومة في الداخل.
سلوك قديم
ويرى السفير حسن عابدين أن ظاهرة التعرض للمسؤولين قديمة وتكررت أيضاً خلال زيارات المسؤولين للخارج في فترة مايو، لافتاً إلى أن الأمر ينحدر لهجوم شخصي، وقال لـ(الصيحة): لاحظت هذا السلوك إبان فترة عملي كسفير للسودان في بريطانيا من خلال التظاهرات التي تسيرها المعارضة متزامنة مع زيارة أحد المسؤولين الكبار في الدولة وفي بعض الأحيان يقتحمون الندوات التي يقيمها هؤلاء. ويصف عابدين هذا التصرف بأنه سلوك ومرفوض يأتي به أشخاص معارضون انتهزوا فرصة وجود شخص من قيادات الدولة الإنقاذية ويحاولون أن يعبروا عن رأيهم، مشيراً إلى أن هذا ثمن يدفعه السياسيون نتيجة لسياساتهم الداخلية، خاصة أنهم لا يستطيعون أن يمنعوا مواطناً في داخل أو خارج السودان أن يعبر عن رأيه، وعما إذا كان تعرض المسؤولين لهذا الموقف ناتجاً من خطأ في تقدير السفارات للموقف، أجاب بالإيجاب، وزاد قائلاً: إن كنت في مكان السفير سوف أمنع قيام المنشط وأخطر المسؤولين لأن الأمر متروك في هذه الحالة لتقديرات السفير، ويشير إلى أن السفارات دائماً تتعامل باعتبار أن كل الجالية مؤيدة للحكومة. وتساءل عابدين لماذا لا تضع السفارات في حساباتها أنه بين أفراد الجالية أشخاص معارضون ينتهزون الفرصة ليعبروا عن رأيهم الرافض، وأضاف: هذا التصرف لا غرابة فيه لأنه يأتي في إطار إبداء الرأي، ورفض عابدين الربط بين الهتاف في وجه رئيس البرلمان وبين اللوبي والصهيوني، باعتبار أنه سلوك ظل يتكرر في الأنظمة السابقة للإنقاذ.
ظاهرة إنقاذية
ويذهب القيادي بالحزب الاتحادي الموحد صديق الهندي الى أن ظاهرة الاعتداءات على المسؤولين ناتجة عن التضييق الذي يحدث في السودان وخصوصاً للناشطين، إما بسبب الاعتقال أو الفصل من الخدمة، وأشار إلى أن الهتاف المعادي كوسيلة تعيبر مسموح بها في الدول الغربية، لكن دون التعرض للمسؤول بالاعتداء الجسدي. ويقول صديق لـ(الصيحة) إن على المسؤولين عدم استنكار هذا التصرف طالما هو متاح في تلك البلدان مؤكدًا أنها ستتكرر، وعلى أي مسؤول يدخل في لقاء مفتوح أن يكون مستعدا لمقابلة هذا السلوك، منوهاً إلى أن ما حدث لرئيس البرلمان ظاهرة ارتبطت بالإنقاذ باعتبار أن الأنظمة السابقة لم تتصرف بالطريقة التي يتعامل بها النظام الحالي الذي عرف السودانيون في فترته اللجوء والهروب الجماعي من البلد بسبب المضايقات السياسية التي لم تكن معروفة من قبل.
أما مدير الإدارة الأمريكية الأسبق بوزارة الخارجية د. الرشيد أبو شامة فقد وصف هذا السلوك بالأسلوب غير الحضاري، واستبعد أبو شامة في حديثه لـ(الصيحة) أن تكون هذه المجموعات مدفوعة من اللوبي الصهيوني كما قال بعض المسؤولين، وأكد أن اللوبي الصهيوني له أساليبه في إيصال رسائله، وقال إن الناشطين ينتمون لمناطق عانت من ويلات الحرب، وهم الذين يتصرفون بهذا الشكل لأنهم مغبونون، وهي ظاهرة دخيلة على المجتمع السوداني ولم تكن موجودة في العهود السابقة.
الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة