جعفر عباس

لا لفلسطين من دون نيكوتين


الحمد لله، فالرياح في الشرق الأوسط تجري بما تشتهي السفن العربية، فالعراق استعاد سيادته بعد أن بسطت الولايات المتحدة مظلتها الواقية على شماله وتولت إيران مهمة إدارة بقية أنحائه، وجنوبه، وكل من اليمن وليبيا في حالة مخاض، قد تسفر عن مولد دويلات جديدة تنضم الى الجامعة العربية، ولبنان استرد عافيته بعد مخاض ديمقراطي أرستقراطي أوتوقراطي، وقد يصبح مشيل عون، بعون من حزب الله «الإسلامي» رئيسه بحكم أن الدستور ينص على أن الرئاسة في لبنان للمسيحيين.
وفلسطين بجزئيها المحتل الذي تديره إسرائيل والمختل الذي يديره مخاتير فلسطينيون، على أعتاب التحرر، بعد أن أوشك جيل الديناصورات فيها على الانقراض، وقد نشهد قريبا مولد جمهورية رام الله وإمارة أريحا، الى جانب حماسستان في غزة، فهناك جولة جديدة مرتقبة من مفاوضات المصالحة الوطنية التي ستسفر حتما عن تقاسم المصالح والمناطق، وتنشأ بذلك عدة فلسطينات بدلا من فلسطين واحدة.
وثمة تطور إيجابي آخر، وهو أن المجلس التشريعي الفلسطيني، ربما يدرس قريباً تشكيل «شرطة مكافحة التدخين»، بناء على طلب من رابطة مكافحة التدخين الفلسطينية «المحتلة»، وبتشكيل تلك القوة الأمنية الجديدة ستكون السلطة الوطنية الفلسطينية قد أكملت بسط سيطرتها على مناحي الحياة في الاراضي «المحررة» كافة، ولكن هناك مخاوف من أن تشكيل قوة الشرطة هذه قد يؤدي إلى نزوح جماعي من الضفة الغربية وغزة، فالفلسطيني قد يصبر على الضيم حيناً من الدهر، وقد يتحمل تجاوزات الأجهزة الأمنية الفلسطينية التسعة دهراً، قد يطول وقد يقصر، ولكنه لا يستطيع الصبر على الحرمان من التبغ، فالاستمتاع بحرق السجائر كان «الحرية» الوحيدة المتاحة له في التاريخ المعاصر. والفلسطيني إما مُدخّن أو «مدخن سابق». وهو عموماً يتسم بـ«نشفان الدماغ»، والدماغ يحتاج إلى التبغ، فاخراً كان أو سيئاً ذلك التبغ. الفلسطيني معتاد على العيش من دون جواز سفر، أو حتى «بيت عائلة» يلتئم فيه الشمل في الإجازات مثلاً، ولكنه لا يستطيع الاستغناء عن النيكوتين.
إنني أركز على هذه النقطة بالذات من باب إياك أعني فاسمعي يا جارة، والجارة هي الولايات المتحدة، أكبر منتج للتبغ في العالم، وفلسطينيو الضفة والقطاع ينفقون 600 مليون دولار سنوياً على التبغ، يعني هناك مصالح اقتصادية وتجارية متبادلة بينهم وبين الأمريكيين، ولكنها تشبه علاقة الحب من جانب واحد. أعني أن الطرف الأمريكي لم يقدم شيئاً حتى الآن مقابل تلك الملايين، وقد آن الأوان كي يرد الأمريكيون الجميل، إما بنشر مظلة «واقية» على الضفة الغربية وغزة، وإما برجم المنطقتين بصواريخ كروز ذات الرؤوس النووية.
يعني لابد من «الحسم» بطريقة أو بأخرى. فطالما أن هناك اتجاهاً قمعياً تسلطياً يهدف إلى حرمان الفلسطينيين من التدخين، فإنهم بحاجة إلى حماية من جهة قوية النزعات القمعية والتسلطية، حتى تتسنى لهم ممارسة حقهم التاريخي المشروع في التدخين علناً من دون خوف من الملاحقة، وإذا لم يكن ذلك ممكناً فخير لنا ولهم أن يستنشقوا الإشعاعات النووية، لأنها «تعدل المزاج» بصورة نهائية وحاسمة، فيكفوا بذلك عن إزعاج أمتنا «الفايقة والرايقة» بمطالبهم التي لا تنتهي، والتلويح باللجوء إلى الانتفاضة وما إلى ذلك من أنشطة هدامة تسببت من قبل في ثقب الاوزون، ومذابح رواندا وأزمة الرواتب في الجامعة العربية.
المهم، لابد من حسم كي لا تصرفنا قضية فلسطين عن قضايا أخرى مهمة مثل عنوسة إلهام شاهين، وضرائب فيفي عبده وأزمة المواصلات في سريلانكا.