يوسف عبد المنان

حوار بروكسل


{ بدا البروفيسور “إبراهيم غندور” وزير الخارجية أكثر تفاؤلاً بنتائج الحوار السوداني الأوربي الذي بدأ في مقر الاتحاد الأوربي بالعاصمة البلجيكية “بروكسل”، بعد طول قطيعة وتبادل للاتهامات خاصة من جهة دول الاتحاد الأوروبي التي أخذت تسير في درب الولايات المتحدة الأمريكية، ورؤيتها حول العلاقة مع الخرطوم والملفات العالقة التي وقفت حائلاً دون وجود علاقة حقيقية بين السودان والدول الغربية بصفة عامة.. وأن يكسر وزير الخارجية الجدار العازل بين أوروبا والخرطوم ويفتح باباً لحوار حقيقي فإن ذلك يمثل خطوة مطلوبة وهامة جداً في الوقت الراهن، ولكن ما هي العقبات الحقيقية التي تعترض مسار تطبيع علاقة السودان مع الغرب؟
{ هناك قضايا حقيقية وقضايا متوهمة.. والقضايا الحقيقية هي الحرب التي تدور في غرب السودان وما يعرف عند الغربيين بالجنوب الجديد أي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وتعتقد الدول الأوربية والولايات المتحدة أن استمرار الحرب وتدفق اللاجئين والنازحين يقف حائلاً دون تطبيع العلاقات، وتقول الدول الغربية إنها لا تستطيع أخلاقياً تحسين علاقتها بالسودان في ظل حرب يشنها النظام ضد مواطنيه في المنطقتين ودارفور وتلك الرؤية سوقت لها منظمات طوعية أوربية وصحافة ووسائل إعلام رسخت في الذهن الغربي، أن الحكومة السودانية هي التي تحارب مواطنيها. وقد فشلت حكومتنا في إقناع العالم برغبتها في تحقيق السلام وتعنت المتمردين والمعارضين الذين يطالبون بذهاب النظام برمته، وإحلال نظام آخر مكانه الشيء الذي يجعل الحوار لا جدوى منه إذا كان الطرف المعارض لا يؤمن أصلاً بالمشاركة.
{ وحينما أطلقت الحكومة مبادرة الحوار الداخلي كبديل لمسارات التفاوض الخارجي أخطأت في التعتيم الإعلامي الذي فرض على الحوار، الشيء الذي جعل الإعلام الوطني عاجزاً عن نقل مضمون ما جرى خلف الغرف المغلقة الشيء الذي جعل الاعتراف بالحوار الوطني ضعيفاً جداً وحتى بعد صدور التوصيات، فإن (العقلية) التي تخاف من الجهر بالرأي الآخر ستجعل من الصعب جداً إقناع الرأي العام العالمي بأن حوار قاعة الصداقة قد خاطب جذور الأزمة السودانية.
{ القضية الثانية التي تقف حجر عثرة في طريق كسر الطوق الحاجز بين الأوربيين والسودانيين هو الموقف من القضية الفلسطينية، والاعتقاد السائد بأن السودان لا يزال له صلة بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة التي تحارب في المنطقة.. رغم الخدمات الكبيرة التي قدمتها الحكومة السودانية للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب.. ومساندة الخرطوم لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة كالسعودية ومصر التي (تخلى) السودانيون عن التزامهم الأخلاقي نحو الإسلاميين في مصر مقابل علاقات حسنة مع الجنرال “السيسي”.. وأخيراً هناك التباس شديد في ملف حقوق الإنسان بالسودان، حيث شهدت الأوضاع الداخلية تحسناً مطرداً في السنوات الأخيرة.. وخفضت السلطات من غلواء التضييق الاجتماعي على الفتيات اللاتي يرتدين ملابس لا تروق للسلطات.. وتدخلت أيادي السلطة في العفو عن بعض المحكومين في قضايا تطبيق قانون النظام العام وأطلقت السلطات سراح حرية التعبير بإلغاء الرقابة المباشرة على المطبوعات الصحافية.. كل هذه الايجابيات لم تجد اعتباراً عند الدول الغربية.. وكان منطق البروفيسور “إبراهيم غندور” في “بروكسل” واقعياً حينما قال إن حكومته اتخذت خطوات إصلاح أوضاع حقوق الإنسان، ولا تنتظر مكافأة من أحد أو صدور شهادة حسن سير وسلوك الغرب.. وتلك القضايا الشائكة العصية لا تنتظر أن تثمر نتائجها بين عشية وضحاها.. ولكن طريق التطبيع مع أوربا.. طويل جداً وشاق وأن تبدأ السير خير من توصيف مسارات الرحلة.