بلدنا نعلّي شانا
قبل نحو شهر تقريباً شاهدت بالصدفة جزءا من مقابلة تلفزيونية على فضائية عربية خليجية مع فنان تشكيلي سوداني كبير كما وصفته محاورته التي كانت تثير معه حديثاً عميقاً حول علاقته بالألوان وميوله في أعماله الفنية لاستخدام اللونين الأبيض واللون الأسود دون غيرهما من الألوان، وبحسب ثقافتي البسيطة جداً في دنيا الرسم والألوان كنت أعتقد أن هذا السؤال سيجعل فناننا التشكيلي السوداني ينداح و(يتجدع) في الإجابة عنه .
لكن فاجأنا (أخونا) بإجابة (لا في السما لا في الأرض)، إجابة غريبة جداً.. أطلقها بعد أن تحسس قبعته الإفرنجية فقال إنه يجد نفسه ميالا لاستخدام هذين اللونين وذلك بسبب ثقافتنا وخبراتنا البصرية في بيئة السودان فليس لدينا في السودان ألوان أخرى بالوضوح المطلوب، أي أن الألوان الأخرى عندنا في السودان دائما تكون ألوانا غير واضحة بسبب الغبار..!!
صراحة (اتفقعت).. وصعقت وفوجئت بهذا الكلام الغريب.. كيف يقوم هذا المثقف وهو في كامل وعيه بقتل ودهس فرصة جيدة توفرت أمامه لتقديم نفسه وتقديم السودان بصورة أفضل أو بصورته الحقيقية لمشاهد يريد أن يعرف شيئاً عن البيئة التي أنتجت هذا الفن الذي يقدمه .
هناك أزمة كبيرة في قدرة الكثير من السودانيين على تقديم أنفسهم وتقديم السودان بشكل أفضل والإسهام في تغيير صور نمطية سالبة لكنها رسخت في مخيلة الكثير من الشعوب الأخرى حول السودان والسودانيين بسبب عدم حرص الكثير جداً من السودانيين على تغيير هذه الصورة وتقديم أنفسهم وتقديم السودان بثوب لائق .
كيف يقول فنان ومثقف إننا لا نعرف الألوان المختلفة بالوضوح والدقة المطلوبة للتعرف عليها..؟ وما الداعي أصلا ًلتقديم هذا الرأي في الوقت الذي كان بإمكانه أن يقدم معلومات أفضل حول مدرسة (الأبيض والأسود) في الفن التشكيلي السوداني حيث هناك معارض (أبيض وأسود) تقيمها مجموعات تشكيليين سودانيين وتقدم لوحات راقية وصفتها أوساط فنية خارج السودان بأنها تعكس مستوى رفيعا للذائقة الجمالية التشكيلية السودانية.
لدينا مشكلة حقيقية في تقديم أنفسنا واستثمار المنابر التي تتاح لنا لتعريف الآخرين بالسودان.. وهذه المشكلة لها الجانب الخارجي المرتبط بدور السودانيين ولغتهم وخطابهم في منابر الآخرين وكذلك جانب داخلي بعدم تمييز واجهات السودان باهتمام خاص يؤهلها لتقديم المستوى (الاستاندر) لزوارها من غير السودانيين.. والذين يعتبر انطباعهم عن السودان هو رأسمال سمعة السودان الخارجية ورأسمال القطاع السياحي.. فلو استحسنوا ما شاهدوه في زيارتهم للسودان فإن ذلك يعني تنشيط هذا القطاع السياحي الميت، والعكس صحيح.. وهذه الواجهات تبدأ بالمطار والشوارع وتمضي للفنادق وأماكن التسوق والسياحة والتنقل..
لكن العنصر الذي يخلق العلامة الفارقة في هذا الانطباع هو طريقة التعامل والتي يجب أن تستصحب فكرة عكس صورة جيدة لمن يأتينا في السودان موفداً من جهة ما أو زائراً للسودان لأي غرض سائحاً أو مستثمراً أو غير ذلك.. يجب أن يعود بانطباع جيد.. ولا أعني انطباعاً مُتَكَلَّفاً ومُزوَّرْاً.. فهذا أيضاً مريب لكنني أتحدث عن انطباع معقول..
تذكروا أطيب وأجمل ما في هذا السودان حين يطلب منكم الآخرون تقديم فكرة عن أنفسكم وعن البلد.. واستفيدوا من تجارب شعوب مجاورة تمجد وطنها (بالفيهو والما فيهو) ..
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.