استانفورد.. ولكن شُبِّه لهم!
لم تُدّخِرْ صحيفة واحدة مِنْ يومياتِ الخُرطوم خلالِ الاسبوعين المنصرم والجاري – مساحة (كبيرة أو قليلة)، إلاّ وسوّدتها بجدليةٍ (إسلام) القائم بأعمال السفارة بالخُرطوم المُسْتقيل (جوزيف إستانفورد)، وفي روايةٍ صحفيةٍ أُخرى (استافورد) بحذفِ النون، على كل (عجمي فألعب به) حتى في الصحف.
ومن جديدِ اللعب على الأعجمي خاصةً الدُبلوماسي الزائد عن ثلاثة أحرف أن سهاماً مسنونة صوِّبت إليه إبّان دأبه على زيارةِ مَشْيخاتِ الطُرقِ الصوفيةِ فتارةً شككنا في نواياهِ، وأخرى فتشنا ضميره الاستخباري، وثالثة حرضنا عليه الأجهزة المعنية بوقف عبثه هذا، فعلنا كل ذلك بذات الأساليب القديمة (الخواجة دا أكتفو).
لكن في واقع الأمر، ولما لم يستطع أحداً (تكتيف الخواجة) و(تستيف عفشه) ولا حتى الصدح بأغنية حق في وجه (خواجة جائر) يهتف فيه (يا غريب يلاّ لبلدك)، قرر سعادته أن يستقيل، وما إن فعل، حتى انقلب كل شيء عقبيه، وعاد القهقرى وكأن به داءً فأخذ بنجاعة دوائه. فأعلن الجميع ممن كانوا يتهمون سعادة (إستانفورد) بأن وراء زيارته للمشايخِ الأجِلاء (دواهياً)، وبالتالي يتهمون المشايخ أنفسهم بالمُساهمةِ في تسهيلِ (دواهي السفير) بغيةِ الإيقاع بهم في (غيابةِ) الخيانة الوطنية، والتخابر مع دولة أجنبية، أعلنوا بفرحةٍ طفوليةٍ عارمة أن (سعادته) أسلم ودان بصحيح العقيدة واحتفوا بإسلام الرجل حتى حسبتهم سينحرون من أجله النوق ويضربون الدفوف، لكنهم ما إن علموا (من عضمة) لسان سعادته، بأنه لا في عير الصوفية ولا نفير السلفية، وإن قلبه لا يزال يخفق باليسوعية، حتى بُهتوا، ثم ما إن أفاقوا، حتى مضوا إلى أحبولة جديدة، وهي أنه بعد أن أعلن إسلامه، فصلوه من السلك الدبلوماسي، فخشي صاحبنا على دينه وحسن عقيدته من الفتنة الأمبريالية الغاشمة، فتقهقر كرة أخرى عائداً إلى ملته في سبيل التمويه إلى أن تمر الريح، فيعود برهانياً قادرياً شاذلياً عركياً ختمياً يشرف البلاد والعباد.
لكن الحقيقة أن كل ما سبق (منجور) من لدن خيالٍ (مغمور)، وذلك لسبب بسيط، وهو أن الإدارة الأميركية لن تقوى إلى استدعاء أو إقالة استانفورد فيما لو أعلن إسلامه، وأن زيارته للطرق الصوفية كانت – برأيه – محض تعارف واستطلاع إنساني لأساليب عمل تلك الطوائف في نشر الدين وحفظه والدعوة له عن طريق المحبة والسلام والحسنى، لا الشدة والغلظة والبأس كما يدأب آخرون و لو قدر لسعادته أن يعتنق الإسلام لكان ذلك على يد السادة الصوفية الموقرين والمبجلين الأكارم، فهم وحدهم ودون سواهم من يتخذون المحبة والحسنى سبيلاً إلى الدعوة، وعلى أيديهم البيضاء دخل أهل الكتاب والأديان الأخرى الإسلام أفواجا.
لكن مما لا شك فيه أن صورة استنافورد المسلم أو رجل المخابرات أو الجاسوس الخطير، هي ليست صورة الرجل الحقيقية كما تقول الوقائع والحيثيات، فما هو كذلك ولكن شُبه لهم.
[/JUSTIFY]الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي