الطيب مصطفى

كريمات التفتيح وعقدة النقص !

الأستاذ حسن فضل المولى مدير قناة النيل الأزرق قطع قول كل خطيب حول الجدل الدائر بشأن كريمات تفتيح البشرة، فقد أوردت صحيفة (الوطن) تصريحاً بالخط العريض لمدير القناة ذات الانتشار الواسع يقول فيه: (نوظف مذيعات سمر وبيصبح لونهن أبيض)!
تصريح حسن فضل المولى جاء رداً على اتهام وجهه أحد أعضاء لجان الحوار بأن القناة لا توظف إلا المذيعات ذوات البشرة البيضاء قال فيه إن (النيل الأزرق) قناة خاصة، وإن كان هناك توجيه فينبغي أن يصدر للتلفزيون القومي الحكومي.
قبل ذلك بأيام قرأت حديثاً لدكتور محمد الأمين خليفة رئيس إحدى لجان الحوار يقول فيه إن على التلفزيون أن يوظف مذيعات من جنوب كردفان ودارفور، ولكن السؤال المنتصب أمام الجميع هو ماذا نفعل مع كريمات (التبييض) التي تسمى، لرفع الحرج ودفعاً لتهمة العنصرية، بكريمات (تفتيح) البشرة، بالرغم من أن مَن يتمَعن في كلمة (تفتيح) سيجد ظلالاً عنصرية لا تخفيها تلك (اللولوة) ذلك أن (تفتيح) يقابلها (إغلاق) أو (تغميق) والذي يشي بنفس المعنى المراد الهروب منه.
وزير الصحة الاتحادي السيد بحر إدريس أبوقردة دخل على الخط مبدياً امتعاضه من انتشار ظاهرة تفتيح البشرة بتلك الكريمات المؤذية وذات الكلفة الباهظة سواء على الأفراد أو على خزانة الدولة وأعلن من خلال خبر منسوب إليه في إحدى الصحف (الحرب على كريمات تفتيح البشرة)، بل إن الرجل، حسب الخبر الظريف، قال: أي زول يعرس امرأة لونها فاتح بالكريمات ما جادي وكل زول لازم يرضى بي خلقة الله).
أقول للأخ الوزير بحر، صدقني إنك تخوض حرباً خاسرة ولن تقنع أحداً.. لا المذيعات ولا غيرهن فقد أسهمنا جميعاً خاصة قبيلة الإعلام بدرجات متفاوتة في ترسيخ عقدة انتظمت معظم نساء المدن وكثير من القرى.. وللأسف أنها عقدة نقص تحفر عميقاً في تماسك الشخصية السودانية واعتدادها بنفسها، ولو استشعر الساسة والنخب وأهل الإعلام خطورة الأمر وتأثيره على هوية البلاد وعزة شعبها واعتداده بنفسه لأولوها اهتماماً أكبر ولأنزلوها منزلة الأولويات الوطنية فما من شعب يتملكه الشعور بالنقص يمكن أن يصنع حضارة ويتطلع إلى القيادة والريادة.
أذكر أن أحد الضيوف الأجانب وقد استضفته في إفطار رمضاني محضور من الجنسين بأحد الفنادق سألني بعد أن لفت نظره اختلاف ألوان النساء عن ألوان الرجال فأجبته بصراحة موجعة: إنها الكريمات.
كتبتُ مراراً عن السبب الذي يجعل صحافتنا تحتفي بإيراد صور وأخبار الممثلات والفنانات الأجنبيات وكيف أنها تتبارى مثلاً وبصورة مخجلة في نشر أخبار الخلاف بين فنانة مصرية مغمورة تسمى زينة وطليقها المدعو أحمد عز وحول أبوة طفلي زينة، وهل عز هذا أبوهما كما تزعم أم إنهما ابنان لرجل آخر مع متابعة لصيقة من صحافتنا لمداولات محاكمة زينة وطليقها، ولم يتكرم علينا أحد في أي يوم من الأيام بتوضيح سبب احتفاء صحيفته بأخبار هذين (الزولين) والعجب العجاب أن تلك الصور وتلك الأخبار عن الفنانين اللبنانيين والمصريين والأمريكان ترد في صحفنا السياسية ولا تقتصر على الصحافة الفنية أو الاجتماعية وهدفها تلك الصور المتبرجة لفنانة بيضاء ذات حسن، أما الهدف من النشر والذي يتعامى عن الآثار السلبية المتمثلة في ترسيخ عقدة الانهزام أمام اللون الأبيض والشعور بالنقص من لوننا الأسود الذي يسم بشرة غالب شعب السودان فإنه لا يتجاوز استقطاب بعض القراء الذين تستهويهم تلك الصور وتلك الأخبار التافهة.
حتى صوالين الحلاقة التي تسعى لاستقطاب زبائنها السودانيين بشعرهم (القرقدي) باتت تضع صوراً لمهند التركي وغيره من الفنانين البيض البشرة بالرغم من أن شعر هؤلاء الأجانب يختلف عن شعرنا السوداني.
لم تسأل أي من صحفنا التي تتبرج بصور أولئك الفنانات وتتابع دقائق حياتهن ما إذا كانت صحافة الدول التي ينتمين إليها تتعامل بالمثل مع فناناتنا مثلاً، بل لم تبالِ بالآثار السلبية التي تترتب على الشخصية السودانية من هذا السلوك الانهزامي الذي رسخ عقدة اللون الأبيض وجعله صرعة وعقدة يصعب بل يتعذَّر الفكاك منها.