جعفر عباس

الفضاء كله «ولاية» أمريكية


ربما كانت الحسنة الكبرى لوجود جورج دبليو بوش على رأس السلطة في الولايات المتحدة لولايتين متتاليتين أن النزق والطيش والدروشة التي أدار بها هو وكبار مساعديه الشؤون الدولية جعل العالم كله يدرك أن المحافظين الجدد يتسمون بدرجة رفيعة من الغطرسة والغباء، فقد كانت حكومة بوش تتصرف مثل طفل مدلل اعتاد على نيل كل ما تشتهيه نفسه بالصياح والابتزاز والتخويف والتهويش، والإنسان الدلوع لا يحترم رغبات الآخرين لأنه بالضرورة أناني ونرجسي، ومن ثم فإنه يصاب بنوبات هيجان تفقده اتزانه وصوابه كلما عجز عن تحقيق غاية ما، ويفسر هذا لماذا تهدد واشنطن بالويل والثبور فئات من العراقيين والإيرانيين والكوريين والسودانيين والأفغان والشيشان، وكلما فشل وعيدها وفعائلها في الإتيان بالنتائج المرجوة، ارتفعت عندها نبرة الهذيان.
وكان آخر «إشراقات» حكومة بوش القانون الذي أعلنت فيه أن الفضاء والأكوان المحيطة بالمجموعة الشمسية خاضعة للإدارة الأمريكية، يعني الفضاء صار الولاية رقم 51 في الاتحاد الأمريكي، ويقضي القانون الذي وقع عليه بوش، لكن لم يعلنه إلا مؤخرًا، أنه من «حق» الولايات أن تمنع أي جهة تعاديها من استخدام الفضاء الخارجي لأي غرض من الأغراض. وبعبارة أخرى تقول الحكومة الأمريكية إن المريخ وزحل والمشتري ونبتون والزهرة وعطارد وبلوتو وسائر الكواكب المعروفة وغير المعروفة والأغلفة الجوية المحيطة بها مستعمرة أمريكية، وتبرر ذلك القرار العبيط بأن هناك دولاً قد تستخدم الفضاء في أنشطة معادية لها، والغريب في الأمر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة ناقشت العام الماضي قرارًا يقضي بمنع استخدام الفضاء لأغراض عسكرية، وصوَّت لصالح هذا القرار 160 دولة وعارضته دولة واحدة.. تفتكر ما اسمها؟ بالضبط: الولايات المتحدة الأمريكية، وها هي تعلن أن الفضاء صار ملكا لها لأنّ هناك من قد يستخدمه لأغراض عسكرية.
هذا هو المنطق نفسه الذي تريد من خلاله محاربة الإرهاب، ولكنها لا تقبل وجود محكمة جنائية دولية تحاسب أي فرد أو دولة ترتكب جرائم ضد الأفراد والجماعات، والأمل عظيم في أن يُمنى الجمهوريون بهزيمة منكرة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وخاصة إذا كان مرشحهم لمنصب الرئيس هو العبيط التعيس دونالد ترامب، صاحب اللسان الفالت والمخ «الضارب»، الذي يعلن صراحة كراهيته للمسلمين والصينيين والمكسيكيين (قال عن مذيعة تلفزيونية أمريكية: أنا أعلم أنها قبيحة، ولكن ليس من اللباقة أن أقول إنها كذلك).
وما لم ينهزم الجمهوريون فليس من المستبعد أن تعلن واشنطن أن الأكسجين ملك خاص لها وأنه غير مسموح لغير الأمريكان استعمال الأكسجين إلا بموجب تصريح خاص.. أدعو الله أن يخلص الكونجرس من قبضة الحزب الجمهوري، ولا تقولوا: إن خصومهم الديمقراطيين لا يختلفون كثيرًا عنهم.. لا بل يختلفون و«نص».. أملي عظيم أن الجمهوريين سيفقدون كثيرا من المقاعد في الكونجرس، ولن يدخل البيت الأبيض رئيس جمهوري، لأنّ الجمهوريين متغطرسون وعدوانيون وتكفيريون (يعتقدون أنهم وحدهم حملة الإنجيل وأنهم بالتالي ظلال الله على الأرض، وهل ننسى كيف أن جورج دبليو بوش الأخرق قال إنه خاض الانتخابات الرئاسية بأمر إلهي؟
داهية تأخذ الجمهوريين وتريح البشرية من غطرستهم ونفاقهم، وما حيلتنا سوى رفع الأكف بالدعاء لرافع السماء، بعد أن صرنا بلا حيلة أو كما نقول في السودان «الحيلة قليلة والخشم بليلة»، والخشم هو الفم والبليلة في السودان والسعودية هي ما يسمى في الخليج «نخي»، وعند وضعها على النار تتقافز حبات البليلة، لتعطي الانطباع بأنها ذات شخصية وتحتج على وضعها في ماء مغلي.