“الطفاية وحدها لا تكفي” هل تعلم؟ بعد الحريق الأخير في “مطعم سيدي بيه” .. إجتماعات دورية لمديري المطاعم الأخرى عن طريق “قروب” في الواتساب لتحديد طرق الوقاية من الحريق
في فترة نقاهة جلس أحد العمال مع نفسه بعد يوم شاق من العمل، وفي غفوة راحة أغمض عينيه برهة عله يستيقظ ليكمل بقية عمله. وبعد مرور ساعة شعر باختناق غريب في غرفة الاستراحة، جعله يهب مذعورا من نومه.. خرج مسرعا وإذا به يفاجأ بحريق يحيط بكل المكان في المطعم الذي يعمل به.. حاول حمل طفاية الحريق لإنقاذ نفسه من الموت المحقق، وإطفاء الحريق، ولكنه فوجئ بأنه لا يستطيع استخدام الطفاية ولم يستطع إنقاذ نفسه فمات مختنقا.. إلى هنا انتهت القصة ولكن..
من المؤكد أن غفلة العامل وعدم قدرته على استخدام الطفاية جعلته في عالم الأموات في كسر من الثانية ولكن من المسؤول؟
في الآونة الأخيرة سببت الحرائق أضرارا وخيمة بعدد من المؤسسات وﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻳﺔ ومحلات بيع الأطعمة، دون أي سابق إنذار مما دفع بنا لتقصي الظاهرة، أسبابها، وقدرة العاملين في تلك المرافق على التعامل مع الظرف الطارئ. مؤكد أنه حال زاد وعي العاملين والمسؤولين في ما يتعلق بالحريق وتفاديه في المطاعم والمصانع فسيقل ﻣﻌﺪﻝ ﺍﻟﺤﺮﺍﺋﻖ ﻭﺳﻴﺘﻢ ﺇﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ مما تسببه تلك الحرائق من خسائر وبالذات الأرواح البريئة التي تزهق في خضم اللهب والدخان.. ومؤخرا تسارع الزمن من حولنا وكثرت الحاجة للأطعمة السريعة في الأسواق.. ولكن بعض أصحاب المطاعم لا يتوخون الحذر أثناء العمل وربما لا يلحظ آخرون وجود الكهرباء بالقرب من البوتاجازات فتحدث الكارثة.. بيد أن الأمر قد يصل إلى حرق مصانع أو منازل أو أسواق ولأسباب مغايرة عن طريق شعلة واحدة.
حرائق قديمة
قبل أربع سنوات وتحديدا في عام 2012 شب حريق هائل بمركز عفراء للتسوق بسبب التماس كهربائي مما أدى إلى حدوث خسائر كبيرة قدرت بمليارات الجنيهات إلى أن تمت إعادة صيانته مرة أخرى بعد فترة ليست بالقصيرة. فبالرغم من توفر أدوات السلامة بالمركز ووفرة طفايات الحريق والإنذار المبكر وعملها بكفاءة عالية إلا أن الخسائر بلغت 10 مليارات جنيه وتوفي بسببها عامل نظافة أجنبي مختنقا.
الطفاية وحدها لا تكفي
مدير “مطعم البيت الشامي” صلاح أحمد عبد القادر أشار إلى أن الدفاع المدني يأتي إليهم سنويا لمتابعة طفايات الحريق ويقوم بعمل معاينات في أسلاك الكهرباء كي لا يحدث التماس وحريق مفاجئ وذكر أنهم وبطريقتهم الخاصه يقومون بملء الطفايات الفارغة من الشركات المخصصة لها حيث يتم شراؤها وأن الطفايات فيها أنواع كثيرة، غير أنه أكد أن المحل في الآونة الأخيرة تعرض لعدة حرائق بسبب عدة عوامل أولها عدم تدريب العمال على استخدام الطفايات وعدم خبرتهم في مراجعتها وقد تكون إدارات بعض المطاعم غير متابعة لعمالها.. موضحا أن مطعم البيت الشامي احترق مسبقا بسبب أخطاء والتماسات كهربائية وأنه ومنذ أن أصبح مسؤولا عنه في 2013 رتب العمل بصورة جيدة واهتم بجانب الحرائق المفاجئة وأكد على وجود العمالة المدربة على الإطفاء لأن النار قد تكون بسيطة ولكن يمكن في أي لحظة أن تزداد.. وقال إن وجود العامل الإداري مهم في ذلك، وذكر أنه لا يضع اللوم على شرطة الدفاع المدني بل يرى أن عدم تدريب العمالة هو الذي يسبب الخلل بالنسبة للمطاعم.. وقال في آخر حديثه إن الحريق الأخير الذي حدث في مطعم سيدي بيه جعله ومديري المطاعم الأخرى يعقدون اجتماعات دورية لمناقشة العوامل المسببة للحرائق وذلك عن طريق “قروب” في الواتساب وتحديد الطرق التي تقي المطاعم من آثار الحرائق ومحاولة تجاوزها كما يقدم كل منهم فكرة معينة كي يستفيد منها الآخرون.
إهمال وعدم خبرة
مهند عثمان موظف الاستقبال بمطعم كروس للأسماك كان له رأي في سبب الحرائق وقال: “إهمال العمال في المطاعم خاصة غير المدربين قد يؤدي إلى خلل وحدوث حرائق فورية دون التحوط لإطفائها” وأضاف: بيد أن شرطة الدفاع المدني تقوم بواجبها تماما إذ أنها تقوم بمراجعة المطعم بصفة دورية لتستكشف تأمين المحلات بصفة عامة ولكن الطفايات غير كافية لإطفاء الحريق المفاجئ الذي تشب النار فيه وتحرق كل ما تجده وتكون الطفايات في مكان الحريق ويتحتم على المسؤولين بالدفاع المدني أن يكونوا مستعدين في كل وقت نشب به حريق لإنقاذ المواطنين في وقت وجيز لاسيما وأن وصولهم في وقت متأخر أحيانا قد يضر بالمحل.. وأوضح مهند أن لديهم أكثر من 15 طفاية حريق بالمطعم ولكن العمالة غير مدربة على استخدام الطفايات لأن بعض العمال وأثناء الحريق يخرجون منه محاولين إنقاذ أنفسهم دون النظر للحريق علما أن بعضهم يجيد استخدام الطفايات.. ويرى مهند أن الطفاية الصغيرة لا يمكنها إطفاء حريق كبير لذا يناشد شرطة الدفاع المدني أن تكون جاهزة في كل وقت.
سيدي بيه.. الحريق الكبير
ومن جانبه روى يحيى إبراهيم مدير إداري في مطعم سيدي بيه تفاصيل احتراق مطعم سيدي بيه مؤخرا وكيفية تجاوز الحريق بالرغم من إهلاك النار لكل الأغراض في دقائق قليلة وبدأ حديثه قائلا: في حوالي الساعة الثامنة صباحا حضر أربعة عمال فقط إلى المطعم وكانوا يتأهبون لمباشرة العمل قبل حضور بقية العمال وفجأة قام أحدهم بإشعال شفاط الشواية التي تصل بكل الماكينات بالمطعم إذ أنه حديث و(مركزي) وبعد دقيقة من غفلة العامل هبت شرارة عادية من الشواية ومن ثم ولجت إلى بقية الماكينات إذ أن أداة التوصيل واحدة واندلعت النيران وفي أثناء ذلك قام العمال الموجودون ومعهم شرطي السياحة بتشغيل طفايات الحريق الأربع الموجودة بالمحل ولكن دون جدوى.. عندها تجمع المواطنون وتم الاتصال بشرطة الدفاع المدني التي جاءت لمكان الحدث مسرعة ولكن النيران أحرقت كل مستلزمات المطعم في بضع دقائق بالإضافة إلى محاولة أحد العمال القفز من أعلى المطعم لإنقاذ نفسه.. التهمت النيران كل الأغراض بيد أن أحد المخازن في البدرون سلم من ذلك، وتم إغلاق المطعم إلى اليوم للصيانة.. وأضاف يحيى: المطعم يحوي 18 طفاية ولكن الحريق كان أكبر من ذلك واتصل الحاضرون على شرطة المطافئ وحضرت عربتا إطفاء.. في ذات السياق قال إنه وبقية العمال لم يكونوا موجودين وقت الحريق نسبة لاندلاعه في وقت مبكر.. وحث يحيى على تجنب الحرائق بتجنب الإهمال وتدريب العمالة على استخدام الطفايات.
الدفاع المدني: النار المكشوفة السبب الأول
ومن جهات الاختصاص أوضح العقيد محمدين أبو القاسم عبد الله مدير التوجيه والخدمات بشرطة الدفاع المدني أن أسباب الحرائق عامة تعود إلى وجود نار كاشفة وأحيانا إلى حدوث التماس كهربائي وغالبا يكون ذلك بفعل فاعل، مؤكدا أنه عند سماعهم لأي خبر حريق يصلون إلى المكان في حدود 5 دقائق مؤكدا أن التزام المؤسسات الحكومية وأصحاب المنازل بأوامر شرطة الدفاع المدني يقلل كثيرا من نسبة الحرائق إذ يتطلب وجود طفايات الحريق في كل براح مؤكدا في حديثه أنهم يسجلون زيارات دورية لمراجعة أدوات الإطفاء في الأماكن المخصصة لها وذكر أن بعض العمالة قد تكون غير مدربة بصورة جيدة لاستعمال أدوات الإطفاء وأن إدارتهم تسمح لكل من يرغب بالتدرب من المؤسسات والمنظمات أن يحضر ويعاونوه في ذلك مؤكدا وجود معاهد لتدريب العمالة..
كما أشار في حديثه إلى أنه من بين وسائل الأمن الصناعي ضرورة وجود رجل أمن (حرس) في بعض المؤسسات والشركات يكون مدربا وفقا لاشتراطات الدفاع المدني أو وفقا لطرق السلامة والوقاية ومؤهلا في جانب الدفاع المدني في المصانع أو بعض المؤسسات وهو يتبع للجهة المعينة، وأضاف: أغلب الحرائق كانت تشب بسبب أصحاب المحلات والمنازل إذ أنهم قد لا يقومون بمراجعة التوصيلات التي قد تكون تلفت بسبب ضغط عالٍ أو انفجر السلك أو وجود فئران تقوم تقرض الأسلاك فيحدث الالتماس الكهربائي.. وقد أشاد العقيد بمتابعة البرامج المخصصة في إذاعة ساهرون أو الإذاعات الأخرى ومتابعة النشرات التي تقدم منهم لمعرفة طرق الوقاية والسلامة من الحرائق وذكر في حديثة أن بداية الحريق يمكن تجاوزها في فترة ربع ساعة وأن الحريق إذا استمر لأكثر من ذلك من الصعب أن يتم لحاقه وقد تحدث خسائر مادية ويمكن أن تكون بشرية من الصعب تجاوزها.. كما ذكر العقيد أن أنواع الطفايات تختلف فهناك بودرة كيميائية وستار لإطفاء الحرائق وأبواب مضادة للحرائق وتوجد في الأماكن الحديثة كما أكد أن بعض صالات الأفراح تتعرض للحريق بسبب لعدم الاهتمام بالمداخل والمخارج وقال إنهم يقومون بمراجعتها والتأكد من سلامة كل المستلزمات من كراسي وطاولات وعند الرجوع مساء قد يفاجأون بتغييرات في الديكور لكن المؤكد أن كل الأدوات سريعة الاشتعال ويمكن بشرارة أن يشب حريق مفاجئ. ومن المعتبر أن الوقاية والسلامة من أسس العمل الاستباقي لتقليل المخاطر الواقعة على الإنسان والممتلكات العامة والخاصة وأن دور الوقاية والسلامة يأتي منذ لحظات التخطيط لبناء المنشأة أو المؤسسة..
إحصائيات وأرقام
وأعلن العقيد في ختام حديثه عن إحصائيات الحرائق لعام 2015 في ولاية الخرطوم وقال: تقرير شرطة الدفاع المدني عن إحصائية حوادث الحريق والإنقاذ السنوي لعام 2015 كشف أن أكثر الأماكن المتضررة بولاية الخرطوم من الحرائق هي المنازل إذ يبلغ عدد الديار التي احترقت في العام المنصرم 1031 منزلا يليها 1015 حريقا غير معروف ومن ثم 327 متجرا و257 سيارة و240 مؤسسة حكومية لتصل حرائق المصانع إلى 85 مصنعا وهي الأقل في عام 2015م.. وأكثر أنواع الحرائق تلك التي تسببها النار الكاشفة حيث دونت الإحصائية في ذلك 1152 حريقا يليها 673 حريقا بسبب الكهرباء ومن ثم الغاز 548 تليها الحرائق المجهولة والأخرى التي وصل مجملها إلى 256 ليبلغ الإجمالي 2629 حريقا، دون وقوع أي إصابات أو وفيات وذلك في ولاية الخرطوم التي تعتبر الأعلى معدلا في حوادث الحرائق في العام الفائت، تليها ولاية الجزيرة التي وصل مجمل الحرائق لديها 2.433.400 من الخسائر المادية ثم الولاية الشمالية التي وصل مجمل الحرائق بها إلى 8.400.886 من الخسائر ثم ولاية القضارف 8.381.375 تليها البحر الأحمر وسنار والنيل الأبيض ثم النيل الأزرق وتليها كسلا ثم ولايات كردفان شمالا وشرقا وجنوبا وغربا ومن ثم ولايات دارفور الأربع ووصل مجمل الخسائر في كل الولايات إلى 183.270.007 من الخسائر.
مي عز الدين
صحيفة اليوم التالي