أحزان قديمة تتجدد
قبل عدة سنوات كنت رئيساً لتحرير صحيفة (الجريدة) التي قامت على سياسة تحريرية واضحة المعالم أهمها الاعتماد على طاقة الشباب ثم الاهتمام بالوسائل الحديثة بعد ثورة الانترنت، بجانب وقوفها في منطقة وسطى تقوم على الحياد بجرعة ليبرالية كبيرة.. لسبب أو لآخر استهدفت الصحيفة.. وتم إيقافها واحتلال مكاتبها لمدة تجاوزت الأربعة أشهر (مرت صحيفة ألوان قبلنا بصورة طبق الأصل)، كنا نقف لوحدنا بمعزل تام عن الصحف الزميلة..
لم تتكرم صحيفة واحدة ولو بنشر خبر حتى عن الإيقاف.. فقط الأستاذ الجميل “محمد لطيف” فتح لنا مكاتبه لنقول رأينا ونعقد مؤتمراتنا الصحفية.. لجأنا إلى اتحاد الصحافيين فطالبنا الرئيس حينذاك أن لا نسكت ونتحدث وتعرض قضيتنا على أوسع نطاق.. كذلك تعاطف معنا مجلس الصحافة لكنه كان مغلول اليد.. ولأن مكاتبنا ذاتها كانت مصادرة.. كنا نتخذ من بنابر ستات الشاي مكاتب لنا قبالة مباني الصحيفة.. ولما أضجرتنا الأسئلة المغلفة بعضها بالشماتة انتقلنا إلى منطقة بحري ورابطنا هناك.. إلى أن تمت محاكمتنا بغرامات متفاوتة رفضت دفعها الأستاذة “فاطمة غزالي” وحبست ليوم وخرجت بعد أن دفع الناشر الغرامة.. تلتها أو سبقتها الأستاذة “أمل هباني” التي حبست أيضاً ليوم ثم خرجت بعد دفع الغرامة التي كان في نية اتحاد الصحافيين دفعها.. لكن الناشر سبق ودفع الغرامة.. بعد ذلك عادت الصحيفة إلى الصدور وأطلق سراحها وفي ذات اليوم تقدمت باستقالتي التي كنت أنوي تقديمها من قبل.. لكني خشيت أن يحسب تخاذلاً مني فانتظرت إلى أن رفعت المصادرة.. كانت الاستقالة مدهشة.. البعض قال: كيف أتركها (بعد ما لبنت) ولا أزعم مجداً زائفاً، لكني أقول إن الصحيفة تسير الآن بقوة الدفع التي بدأنا بها..
لماذا استقلت؟ كان سؤالاً مبهماً لكن الإجابة على السؤال كانت لعدة أسباب منها ما احتفظ به لتواصل المودة بيني وبين ناشرها.. لكن أهمها أننا كنا نقف وحدنا إلا من بعض مشاركات بعض الناشطين من الصحافيين الذين يمثلون ذواتهم وليس صحفهم.. كنت أحس بغبن شديد لتركنا حيارى حتى الرأي أو التشاور لم يفتح الله على أحد ليدعمنا حتى بمجرد رأي.. كنت أحسب أننا جزر متباعدة لا رابط بيننا.. وكنت أشعر بمرارة أن تقف وحيداً في قضية عامة.. مرت الأيام وتعرضت صحف لذات الحالة.. آخرها صحيفة (التيار) في حالتها التي وصلت إلى الإضراب عن الطعام.. وغض النظر عن سلامة الإجراء أو عدمه.. أرى أنها أسعد حالاً من الجريدة حينما صودرت فعلى الأقل وقف معها من وقف بل وقع بعض الناشرون ورؤساء التحرير على لوحة الشرف التي ابتدعوها تعاطفاً معها.. حتى هذه لم نجدها لا أريد أن أتفشى وأقول أين كانت الصحف حينذاك من المؤازرة؟.. لا أقول كما تدين تدان.. ولا أقول كل شاة معلقة من عرقوبها.. وأتمنى أن تحل مشكلة التيار.. ولكن فقط أذكرهم بأن الصحف العالمية والوكالات العالمية لن تجدي في حل العقبة فقد ناصرتنا عدد من القنوات ووكالات الأنباء وأصبحنا خبراً في صدر نشراتها.. ولكن ذلك لم يحل القضية
مباشرة.. بل كانت (صرخة مدقوق) وقد حاق بمحرريها ما حاق بهم من تدن الأجور.. وسيطرة الناشرين على كل مفاصل الصحيفة.. عموماً اكتفي بذلك.. ومع تمنياتي الصادقة بعودة (التيار) قريباً. أقول: حسابي معاك بقى كلو كسور! ولا أقول: لو كنت ناكر للهوى زيك كنت غفرت ليك!