جعفر عباس

يا نهار أسود مع النظارة السوداء


الأمريكان يعرفون عن كوكب المريخ، أكثر مما يعرفونه عن المسلمين والعرب، فقد بات معروفاً أننا متهمون بالإرهاب وكل أنواع الهباب، وفي هذا ظلم لنا، فنحن أمة تعاني من الصمم والبكم بفعل فاعل، بعد أن قفل ولاة الأمر في وجوهنا أبواب الاجتهاد في العلوم والمعارف العامة، وصرنا نعاني من الأنيميا الثقافية لفرط تعاطينا المعلبات السكند هاند ذات الصلاحية المنعدمة والمنتهية التي تقدمها لنا وسائل الإعلام الرسمية! والمسلم العربي «غلباااااااان» في عقله، وجوعان في بطنه، ومع هذا فإنّ أمريكا تتعامل معه بمنطق «المسكين سكين»، وتسيء به الظن، ومن ثم ابتدعت وسائل وتقنيات تكشف نواياه الشريرة.
من يسافر إلى بريطانيا وأمريكا لا يتعرض فقط للكشف بالأشعة على امتعته، وبالأيدي عن أعضاء جسمه بما في ذلك عورته، بل سيقف امام اشخاص يرتدون نظارات شمسية، يسألونه بكل براءة: إلى اين تتجه؟ فتقول صادقاً (مثلا): إنني ذاهب إلى لاس فيجاس للعب القمار بما يسهم في تنشيط الاقتصاد الأمريكي! فيبتسم في وجهك بخبث ويقول لك: على جون يا فرعون؟ قل الحقيقة، قبل أن أطلب لك الكلاب البوليسية لـ «تفرمك».
من الخير لك في مثل هذه الحالة أن تعترف بأنك إرهابي على خفيف، لا أنت في الخلايا الإرهابية النائمة، ولا الخلايا الصاحية. قل لهم أنك في الخلايا الناعسة! يعني تعترف بأنك فكرت – مجرد تفكير في الانضمام إلى تنظيم إرهابي، ولكنك اصبت بالنعاس وفات عليك ان تستكمل إجراءات العضوية، وفي هذه الحالة سيسجنونك لفترة بسيطة لا تزيد على سنة أو اثنتين ثم يطلقون سراحك، ويا ويلك إذا عاندت لأنهم قد ينقلونك إلى مكان كسجن أبو غريب في بغداد، وكلنا نعرف كيف ان الفتاة المستنسخة من ضفدع ليندي إينغلندا كانت تعذب السجناء بالسير أمامهم وهي عارية، وما أقسى على السجين أن يرى حارسة سجن تشبه فاروق الفيشاوي.
النظارة السوداء التي سيرتديها من يلاقونك في مطارات أمريكا، من اختراع العالم الإسرائيلي عامير ليبرمان، وهي جهاز لكشف الكذب، مزود برقاقة دقيقة تتولى تحليل الموجات الصوتية وتحلل نبرات الصوت، ودرجة توتر الشخص الخاضع للاستجواب، ومعنى هذا أن المئات من الأبرياء سيتعرضون للسجن والمرمطة خلال زياراتهم المرتقبة للدول الغربية، فأنت مثلا قلت لزوجتك أنك ذاهب إلى أمريكا لدخول مايو كلينيك لاستئصال اللوزتين، وردت عليك بقولها أنه سبق لك استئصال اللوزتين في القاهرة قبل سنتين، فتفحمها بقولك أن اللوزتين نبتتا من جديد، مما يتطلب مهارات جراحية لا تتوافر إلا في مكان مثل مايو كلينيك! وحقيقة الأمر انك تعتزم التوجه إلى شواطئ ميامي في فلوريدا حيث الكوبيات من طراز حنيفر لوبيز، ولكنك وعندما يستجوبك ابو نظارة، لن تستطيع ان تقول انك تريد دعم العنصر النسائي في المعارضة الكوبية، وستقول كلاماً سخيفاً مثل: اريد زيارة المتاحف ومعارض الفنون!! هنا سيومض مصباح صغير في النظارة ليقول انك كاذب أشر! وبعدها ستركب كل عفاريت الأرض لابس النظارة، ويمسك بك من تلابيبك ويجرجرك من غرفة إلى أخرى على مدى اربعة أيام، تحرم خلالها من النوم، وتجد نفسك في اليوم الخامس تعترف بأشياء عجيبة: الحقيقة أسامة بن لادن اعطاني أمس ثلاثين ألف دولار صومالي كي اقوم بتوصيلها إلى ابنه محمد المختبئ في فيلا في سان فرانسيسكو جنوب تكريت ليشتري بها آيسكريم مفخخا!
يا عرب: والله مشكلة. إذا ذهبتم إلى أمريكا فضحتكم النظارات السوداء، وإذا ذهبتم إلى بانكوك اصطادتكم انفلونزا الطيور وفقدان المناعة! داهية تاخدكم وتاخد أمريكا.