جمال علي حسن

تفاعلات ندوة الإسلاميين في موضع الكسر القديم


الطفرات العلمية تفسد بعض التشبيهات والصور الأدبية، التي أوجدها خيال الشعراء في زمان مضى لتقريب فكرة الاستحالة ثم وبفعل التطور العلمي لاحقاً بات هذا المستحيل ممكناً ومن ذلك قول الشاعر:
إن القلوب إذا تنافر ودها
مثل الزجاجة كسرها لا يجبر
فهذا التشبيه أفسده التطور الحديث حيث صار الزجاج يجبر ويلحم ويعود كما كان بل أفضل.. وفي باب عودة الود بين القلوب المتنافرة لم نكن ننتظر تطور العلم لو تمعنا في تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، وهذا مما تفضل به العلامة بن عثيمين في الإضاءة حول عودة الود بين القلوب .
وفي الأثر أيضاً (أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض عدوك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما).
هذه الشواهد والفوائد يحتاج الإسلاميون في السودان في هذه المرحلة أن يستصحبوها ويتعمقوا فيها وهم يعيدون بعد موت الترابي فتح ملفات المفاصلة التاريخية التي وقعت بينهم في عام التسعات الثلاث المتتالية نهاية القرن الماضي .
وهذا الذي حدث من تفاعلات ساخنة بين شباب الإسلاميين في ندوة الأحد ما هو إلا دليل على أن ثمة اختلافا ما قد حدث في طبيعة وهيئة الجزأين المنفصلين عن بعضهما بعد 15 عاما ويزيد من المفاصلة جعلت لكل جزء خصائص جديدة في تجربته المستقلة عن الجزء المكمل له وذلك بحكم تراكمات تجربته بعد المفاصلة فالشعبي صال وجال في فضاء المعارضة واكتسب خبرات وتجارب ووعيا مختلفا ربما غير كثيراً في بنيته السياسية وطبيعته الفكرية نفسها من حيث النظر والتعاطي مع الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والحقوق السياسية وبالتالي عاد بتصورات جديدة حول مستقبل السودان ومعالجات أزمة الحكم في البلاد .
الوطني كذلك ليس هو ذلك الحزب الذي انفصل عنه الشعبي عام 1999 فبرغم أنه لا يزال هو الحزب الحاكم ولا تزال قياداته القديمة موجودة وفاعلة فيه لكن من المؤكد أن تجربة الحكم نفسها وتداعيات الانفصال وتجارب الحرب والتفاوض مع المعارضة السياسية والحركات المسلحة وعلاقاته ومواقفه الخارجية، كل تلك التجارب والتطورات غيرت كثيراً في شكل هذا الحزب ومواقفه السياسية وتصوراته للمستقبل .
والمخاشنات والملاسنات والمكاشفة التي حدثت أول أمس بين بعض شباب الحزبين بحضور القيادي الشعبي د. علي الحاج وأمين الأمانة السياسية للوطني حامد ممتاز، هذا الذي حدث في تقديري هي مرحلة طبيعية وأمر متوقع وقد يكون مفيداً جداً لمصلحة تقويم التجربة وتصحيح مساراتها والاستفادة من أخطائها.. فجانب أن تلك الملاسنات نفضت بعض غبار السنوات وأخرجت الهواء الساخن فإن هذه الندوة بكل مخاشناتها هي جيدة ومفيدة للطرفين لو تعاملنا معها على أنها ملتقى غير مخطط لكشف إمكانية تجميع جزأين لكسر كامل تعرضت أطرافه بعد المسر لعوامل التعرية التي تجعل عملية لحمه من جديد تحتاج لمعالجات فنية كثيرة ومهارة سياسية فائقة من أجل تهيئة موضع الكسر من جديد .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين