عبد الجليل سليمان

مزالق السياسية الخارجيّة


بحسب جيفري غولدبيرج، فإن الشعوب الشرق أوسطيَّة، العربية خاصة، مُثقلة بالتاريخي والقبلي دون الجوهري، وبالتالي فإن من العسير إصلاحها، وما ينطبق على شعوبه ينطبق على حُكامه بالتأكيد، وعليه فإن على الولايات المتحدة أن تتركه لعنفه وتعصّبه، وأن لا يندرج ضمن اهتماماتها ولا مصالحها، خاصة بعد أن بات يشكّل تهديداً لأمنها. ويستطرد غولدبيرج “حتى التنظيمات الدينية المتطرفة لا تشذّ إلاّ قليلاً عن هذا التأويل، إذ تظل خطراً (غير وجوديّ) قياساً بأخطار وجوديّة حقيقية، ينبغي للغرب والولايات المتحدة تحديدًا أن تليها جُل اهتمامها عِوضًا عن العبث الشرق أوسطي، مثل تغير المناخ وما يرافقه من تصحّر وجفاف.
والحال، أن الرئيس أوباما (نفسه) ظل يشير كثيرًا – صراحة تارة وضِمنًا أخرى – لأنه بصدد المراهنة – أو هو كذلك بالفعل – على دول جنوب شرق آسيا بتوسيع المصالح المُشتركة بعد أصابه اليأس من إمكانية إحداث تغييرات مهمة في الشرق الأوسط (العربي/ المسلم) في المستقبل المنظور.
الناظر إلى المشهد الماثل، يجد أن كثيرًا مما يحدث الآن في الشرق الأوسط، من تسويات ومساومات بين القوى الدولية الكبرى يعتمد على تلك النظرة الأميركية الجديدة المسماة (الأوبامية) أحيانًا، رغم أنها ليست نظرية (شخصية) لجهة صدورها عن مؤسسات أكاديمية وبحثيِّة واستخبارية، تبنّاها أوباما لاحقًا، وروج لها بطريقة مبسطة مفادها (أن بلده لن تذهب خارج حدودها لتحارب الإرهاب)، ومعروف أن الإرهاب- بحسب الأميركان والغرب – مُنتج شرق أوسطي بامتياز.
من جهة أخرى، فإن أفريقيا أيضًا حُظيت – ولو على مستوى أقل – باهتمام (الأكاديميا) الأميركية، وبالتالي (مطابخ) صنع القرار، وكانت (فورن بوليسي) أشارت في غير عدد مذ بداية العام إلى أن الغرب يعرف المُشكلات الأمنيّة الأفريقية كما تعرفها الدول الأفريقية نفسها: دول فاشلة، إنقلابات عسكرية، وأباطرة حرب يمثلون خطرًا يتجاوز حدود دولهم ويجب مواجهتهم بواسطة لاعبين خارجيين. لذلك يصبح التعاون مع الاتحاد الأفريقي أقل إشكالية بشكل نسبي، بيد أن الإجماع ليس موجودًا بالنسبة العالم العربي. لذلك فإن أفريقيا، ربما مرشحة، لنهضة ديمقراطية أسرع وتيرة من الشرق الأوسط وعليه ينبغي مساعدة شعوبها في السير قدمًا نحو الهدف، خاصة وأن عبارة مثل: “لم تعد الولايات المتحدة شرطة النجدة في مواجهة تلك المشكلات العربية بعد الآن”، تكررت أميركيًا، عشرات المرات، خلال السنوات الأخيرة.
إلى ذلك كله، فإن (الأكاديميا) الأميركية متمثلة في مراكز الدراسات الاستراتيجية والأمنية والتنموية والدبلوماسية، أصدرت الكثير من البحوث عن أن الثقافة السائدة في المنطقة العربية تعد أحد العوامل الحاسمة في عدم استقرار هذا الجزء من العالم، ولذلك فحتى تلك الشعوب المضطهدة من قبل حكامها شديدة التردد في طلب الحرية والديمقراطية وكثيرة الشكوك حولها، وعليه نجدها عاجزة في التقدّم نحوهما عاريةً من كلّ ثقل تاريخي وقبلي وديني، لا بالمعنى الجوهريّ بالتأكيد، وإنما في السياق الثقافي الراهن.
وبناءً على ذلك، فإن أي خطوة تخطوها دولة – كالسودان – مثلًا، لا تزال تفضل البقاء في منزلة بين المنزلتين (الأفريقية والعربية)، ينبغي أن تصدر إلاّ بعد دراسة وتمحيص شديدين، وإلاّ فالمنزلق خطير وعميق، وقديمًا قِيل قدِّرْ لرجلك قبل الخطو موضعها، و(مد رجليك على قدر لحافك).