تحقيقات وتقارير

أكثر مدمنيها شباب من الجنسين.. الشيشة ما بين (البريستيج) والإدمان

السرطان مصير ينتظر المتعاطي
متعاطٍ: تدخيني للشيشة كان بدافع التجربة
خبير اجتماعي: (الشلليات) بالأحياء تسببت في انتشارها
طبيب: (حجر واحد) منها يعادل أربعة أضعاف المادة المسرطنة

التدخين تعتبر من العادات السيئة التي يرفضها المجتمع، ويعمل على محاربتها بشتى الوسائل. أما بعد الانفتاح الذي طرأ على المجتمعات أصبحت ظاهرة (مودرن) بالنسبة للشباب، كذلك في الأوساط المختلفة في المجتمع عموماً بعد انتشار الفضائيات وانتشار البرامج التي تعبق بدخان الشيشة فهل هي موضة..؟ أم تمرد على العادات والتقاليد..؟ أم صراع مع بالذات للترويح عن آلامهم .. خاصة وأن الفئات التي تزور تلك الأماكان تنحصر في فئة عمرية محددة لها ما هي عليه من حيثيات ومتطلبات مرحلة ومآلات أحوال يفترضها حال ويُرسّخها مجتمع تحت بند (العُرف)..
أصول التسمية
الشيشة أصبحت جزءاً من حياة الكثير من الشباب، وبعيداً عن المعلومة التى يعرفها الجميع حول مدى الأضرار التي تسببها الشيشة، هناك الكثير من المعلومات حول تاريخ الشيشة ورحلتها حتى وصلت إلى الكافيهات وأصبحت قاسماً مشتركاً لمعظم الشعوب بما فيه شعبنا، فالوطن الرئيسي للشيشة، غير معروف بشكل واضح، فبعض الروايات تنسبها إلى شبه الجزيرة العربية، والبعض الآخر ينسبها إلى تركيا، وكانت تصنع من ثمار ولحاء جوز الهند لوعائها الخارجي بدلاً عن الزجاجة التي هي على شكلها الحالي.
أنواع التبغ
التقت (الصّيحة) بأحد الذين يعملون في بيع (دخان الشيشة) لتعميق المعرفة بماهية التبغ المستخدم والذي ينتشر في محال الشيشة التجارية التي امتدت رقاعها. فابتدر الحديث طلال بابكر: أنواع التبغ متنوعة، ومنها الناشف، وهو تبغ مجفف، وينقع في الماء ويصفى مع إبقائه رطباً، والمعسل وهو تبغ منقوع في عصير الفواكه أو الدبس أو العسل، والملغوم، وهو تبغ مضاف إليه مواد مخدرة مثل القنب أو كما هو معروف بـ(شيشبندي)، وهذا النوع لا يأتينا في الوارد من التبغ خاصة وأنها جميعها تجيء عبر الوارد ولا أخفيك سراً في احتمالية وجوده ببعض المحال..
عِدّة مُسميات
أفادنا الفاتح الذي يعمل في هذا المجال منذ سنين عديدة إذ مارسها كتجارة في العديد من البلدان العربية كان آخرها كما ذكر لنا في سوريا قبل نكبتها الأخيرة، وأوضح لنا أن الشيشة لها أكثر من اسم، وتُدعى الأركيلة فى بلاد الشام، ونركيلة في العراق، وأركيلي ومعسل في لبنان، وحقة في شبه القارة الهندية، ووتر بايب، أو هابل بابل في الإنجليزية، وقليان في إيران، والرشبة في اليمن، ومضى بحديثه الذي جاء بلسان الخبرة القديمة له في هذا المجال أن الشيشة بدأت تنتشر الآن في أوروبا بشكل كبير، وهناك العديد من المقاهي في أوروبا التي تقدم الشيشة كعامل رئيسي لجزء من الزبائن فهي في الأصل ذات أصول عربية، ولعل ما دعا لانتشارها بشكل كبير في محالات مختلفة حالياً هو دور القنوات الفضائية التي لها اليد العليا في بث ونقل ثقافات كثيرة هي في الأصل ليست من صميم عاداتنا، فتدخل من باب الظاهرة حتى تصبح عادة وإدماناً من خلال التعوُّد بالمداومة اليومية.
عادة بديلة
يرى بعض مدخني الشيشة أنها غير ضارة، هذا ما أدلى به فتحي والذي بلغ به الأمر مبلغاً في شرب الشيشة إذ يرى أن الإقلاع عن تدخين السجائر يعوّض بها من خلال تجربته الشخصية فهو كان مدخناً للسجائر واستعاض عنها بالشيشة، مؤكداً أنها حل أمثل.. (وهنا تكمن خطورة هذه المعلومة الخاطئة).. جملة قالها معترضاً حديثه أحد الجالسين بجانبه وهو يجذب (ليي) الشيشة منه في إيجاد فرصته في التدخين وهو يُفنّد قول الذي سبقه: بعد أن عرّفنا بنفسه فهو خريج كلية الصيدلة بإحدى الجامعات العريقة مضيفاً بالقول: كنت أعمل سائق ركشة لفترة من الزمن ومواصل السعي في إيجاد وظيفة عبر مكتب العمل الذي كثيراً ما يعلن عن وظائف نفاجأ أنها مغلقة بعد أن نكمل كل المطلوب منّا لتكلمة إجراءات تقديمها، ومما شد انتباهي أنه على درجة كبيرة من الإدراك من خلال حديثي معه وإلمامه الوافر بخطورة التدخين فداهمته بسؤال قطعت عليه حديثه، لمَ أنت إذاً مُصر على تدخين الشيشة، وأنت مدرك لكل عواقبها الصحية الوخيمة؟ فأجابني بغير اكتراث (نبرمج بيها.. نعمل شنو ما في شغل؟!!).
بريستيج
وأوضح الرضي أن نسبة عالية من المدخنين للشيشة يومياً في مقهاه الذي يقيمه بسوق صابرين يزداد وأكد أن أكثر فئة عمرية تقع في تدخين الشيشة هي فئة ما بين (18) إلى (30) عاماً، خاصةً لأنها أصبحت كنوع من “البريستيج” والتقليد بما يسمى “المعسل”، مضيفاً أن نسبة المدخنين للشيشة في تزايد خاصة بالفترة المسائية وأيام العطلات ومن الملاحظ حضور الشباب هنا على شكل (شلليات) ويجلسون بالساعات الطويلة في التدخين.
دخل كبير
وقال شيخ الدين ـ صاحب محل شيشة ومقهى : إن نسبة عالية من مرتادي المقهى هي فئة كبار السن ما فوق الخمسين عاماً، وهم من المعاشيين في الغالب والبقية هي متوسط الأعمار والفئة الشبابية خاصة الثلاثينيين، مضيفاً أن متوسط دخل المقهى بالنسبة إليه يدر قيمة مجزية في اليوم، وقد ذكر أرقاماً أحسب أنها كبيرة بمقارنة نوع التجارة التي يُديرها وهي المقهى كبيرة، مبيناً أن المقهى يعمل بها أكثر من أربعة عمال يطّلعون على الزبائن ولا يسمحون لمن تقل أعمارهم عن (18) عاماً بالدخول، وقد لاحظت أثناء حديثي مع شيخ الدين الأعداد التي تتوافد إلى المحل وكلهم من شريحة الشباب أو بشكلٍ غالب، فيما أوضح معتز.ب. وهو يعمل مسؤولاً في أحد محال الشيشة إذ تتبع ملكيتها لأحد الذين أوكلوا إليه مهمة الإدارة بالمحل، أن دخل المقهى الذي يعمل به رقم كبير(….) وقد ذكره في محصلة الشهر الواحد مضيفاً أنه تتنوع الخدمات في المقهى من شيشة ومأكولات وقنوات تلفزيونية، إضافةً إلى وجود جانب معين من المحل لبيع بعض المستلزمات من خواتم ومسابح وغيرها من الأغراض التي تخص الرجال بشكل عام.
مضيعة للوقت
وكشف أحمد علي البالغ من العمر 28 عاماً عن علاقته بتدخين الشيشة والتي امتدت لعشرِ سنوات، مضيفاً: تدخيني للشيشة كان بدافع التجربة لشيء جديد بدون تدخل من أحد، إلاّ أنها للأسف ليست لها فوائد ومضارها أكثر، إلاّ أنها تعتبر وسيلة من وسائل التسلية، معبراً عن عدم تأييده لمن هم أقل من20 عاماً الإقدام على تدخين الشيشة، مضيفاً أنه حينما بدأها كان يعاني ضغوطاً كلها ترمي لنهيه عن فعل الكثير من داخل المنزل حتى شعر أنه مُحاط بعيون رقابية كثيفة، كما دعا إلى الاعتدال في تدخين الشيشة، فيما أكد إبراهيم على أن استخدامه للشيشة يكون في فترات متفاوتة، وأنه كان بدافع التجربة ..وقطع حديثه بضحكة ليكمل بعدها الحديث: شكلها جميل وهو الشئ الذي جذبني إلى اقتحام تجربتها.
وافدون
أعرب عبد المولى في معرض قوله : إن الشيشة ما هي إلا ثقافة وفدت عبر الهجرات القديمة والتي كانت بمغزى تجاري بحت، مضيفاً أن الشيشة غير مكلفة مادياً، لكن ضررها الصحي أكبر بكثير من تكلفتها، مبيناً أنه بحكم عمله في مجال السياحة سابقاً لاحظ توافد بعض العرب على مقاهي الشيشة في مواقعها المختلفة، حيث يرون أنها نوع من أنواع الوجاهة الاجتماعية وفقاً لمجتمعاتهم التي جاءوا منها والكثيرون من بين أبنائنا كانت تجربتهم مع الشيشة كنوع من خوض المغامرة لاكتشاف شيء جديد وبحث عن الذات التي وكما قال من خلال مشاهداته لمرتادي محال الشيشة وهو قد طرح الأسئلة على العديد منهم خاصة كما قال تتراوح أعمارهم ما بين العشرين عاماً إلى الثلاثين، وكانت معظم إفاداتهم له كما ورد في حديثه أنهم تائهو الوجهة بسبب الضغوط المحيطة وعدم مقدرتهم على تحقيق أهدافهم لضيق فرص العمل، وتدخُّل إدارة البيت بشكل سالب قاصر على النهي المتلاحق.
مسؤولية مجتمع
أفادت الأستاذة ثريا إبراهيم الخبير الاجتماعي أن الشيشة هي كممارسة للتعاطي المستمر هي مرفوضة أصلاً نسبة لكمية الدخان الذي يتسرب إلى الجسم إذا ما قارناه بالسجائر فنسبة دخانها أكثر وهي بذلك تحدث الكثير من المشاكل وحالة الإدمان على تعاطيها أكثر، ولعل السبب في انتشارها هو (الشلليات) بالأحياء أو الجامعة أو مختلف الأسواق والمدارس، وكل هذه المجموعات تعمل على إنشاء وبث الأفكار في زيادة التعاطي للشيشة، وأكدت الأستاذة ثريا أن من دواعي انتشار الشيشة هو الفراغ، لأن الشباب لا يملأون أوقات فراغهم بما هو مفيد، فنحن كمجتمع سوداني نحتاج إلى تكثيف الجهود لنشر الوعي في كل هذه الجهات التي ذكرتها لرفع مستوى الإدراك بكل السلوك الذي يتبعه أبناؤنا خاصة أنهم يشكلون الفئة الغالبة في وجودهم على محلات الشيشة ويتم ذلك من خلال الأندية الثقافية بالأحياء , والقراءة من خلال المكتبات. وأضافت أستاذة ثريا: قد تكون هناك أنشطة مصاحبة لتعاطي الشيشة، فقد يكون هناك توريج للخمور ويكون (الحجر) الذي يوضع عليه التبغ أو كما يسميه المتعاطون (المعسل) قد يُشكّل فرصة مناسبة لإضافة المخدرات مع هذا المسمى المعسل، وقد يحدث ذلك للمتعاطي دون أن يلقي لها بالاً فيجد نفسه قد وقع في فخ الإدمان. ودعت أستاذة ثريا إلى تعظيم الدور الأسري وتقريب المسافات بين الوالدين وأبنائهم لخلق لغة تفاهم وحوار يضمنون بها سلامة الخلق والسلوك وترسيخ التربية الصحيحة، من خلال سلوك الآباء أنفسهم بأن يمتعنوا هم عن مثل تلك الممارسات لكيلا يقلدهم أبناؤهم، ويكون بذلك قد خلقوا نموذجاً لأبنائهم دون عناء توجيهٍ كبير.
مخاطر صحية
كان لابد من أخذ رأي الطب كونه الجهة التي تُعنى بتصحيح المفاهيم للكثير من الممارسات التي اعتاد عليها بعض الذين يعكفون فيها معظم الوقت فتحدث إلى (الصيحة) الدكتور زاهر عمر واستفاض في موضوع الشيشة والتي باتت تُشكّل رواجاً بعيد المدى فقال: أكّدت الدراسات الصحية بالعديد من الدوريات الطبية أن تدخين دورة واحدة أو كما يسمّيه المدخنون (حجر واحد) من الشيشة يطلق ما يعادل أربعة أضعاف المادة المسرطنة (pah، وأربعة أضعاف (الألدهايد) وثلاثين ضعفاً أول أكسيد الكربون المتسبب في انسداد الشرايين خاصةً في القلب والمخ والأطراف السفلى في الجسم، وأكّد الدكتور بأنه يُعد تدخين الشيشة مشكلة صحية بين الشباب خاصةً المراهقين، حيث إن هناك إحصائيات للأمراض الناتجة عن تدخينها خاصةً مرض السدة الرئوي المزمن، وانسداد الشرايين والقلب، وأمراض اللثة واللسان والمريء والمثانة، وعدد من السرطانات كسرطان الرئة، كما أظهرت الدراسات أن تدخين ساعة كاملة من الشيشة يطلق في الجو المحيط من المواد المسرطنة والسامة ما تطلقه10-20 سيجارة، أي أن التدخين السلبي الناتج عن تدخين الشيشة قد يفوق في آثاره وخطورته تدخين السجائر.

تحـقـيق: تيسير الـريح
صحيفة الصيحة