يوسف عبد المنان

خطر التبّو (2)


إذا كان خيار قيام دولة التبّو وانفصالها عن ليبيا يجد الدعم من اللواء “خليفة حفتر”، فإن تشظي ليبيا يهدد باندثار هذه الدولة النفطية العريقة ويلقي بظلاله السالبة على استقرار السودان خاصة إقليم دارفور، وربما كان لرؤية جهاز الأمن السوداني مآلات الأوضاع في ليبيا، السبب وراء تكوين قوة كبيرة لحماية الصحراء الشمالية الغربية من تسلل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للأراضي السودانية بعد أن ضاقت به الأرض الليبية وخسر كثيراً من معارك مع “خليفة حفتر”.. وقيام دولة التبّو في جنوب ليبيا الغني بالنفط، ربما وجد دعماً من الأوروبيين المنشغلين كثيراً بسد الثغرات التي يتسلل منها المهاجرون الأفارقة إلى أوروبا، وتعتبر منطقة قبائل التبّو بسحنهم السمراء واحدة من أكبر منافذ الهجرة غير الشرعية التي تتجه لقلب القارة الأوروبية العجوز مروراً بالسواحل الليبية والتونسية، وقد تضررت قبيلة التبّو من انفلات الأوضاع في ليبيا منذ سقوط نظام الرئيس السابق “معمر القذافي”.. وبدأت مشكلة التبّو منذ سنين طويلة بسبب عدم اعتراف المجتمع الليبي والدولة الليبية بعروبة التبّو، ولم يتضمن الدستور الليبي اعترافاً ثقافياً، وهي ذات القضية التي تثيرها في ليبيا مجموعات عرقية أخرى كـ(الأمازيق) في غرب طرابلس و(الطوارق) في جنوب وغرب ليبيا، وقد قاطعت هذه المجموعات أعمال لجنة الدستور بزعم أن العروبيين يسيطرون عليها، ولكن في سنوات حكم “القذافي” الشمولية كانت الدولة تعرف نفسها بالجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية، ولم تستطع هذه المجموعات رفع صوتها أو الحديث عن انتماء ثقافي آخر غير العروبة، التي تعتبر في كثير من البلدان العربية (سبباً) في إثارة جماعات ثقافية كالأقباط في مصر والنوبيين والأكراد في شمال العراق والنوبة والفور والزغاوة في غرب وجنوب السودان.

وقالت صحيفة “الشرق الأوسط السعودية” في عددها الصادر (الاثنين) الماضي إن مصادر ليبية رفيعة تحدثت عن أن زعماء لقبيلة التبّو سبق أن تحدثوا مع البرلمان والجنرال “خليفة حفتر” بشأن إصرار العسكريين على تسمية الجيش باسم القوات المسلحة العربية الليبية، وقد طالب أحد قادة التبّو بالاكتفاء فقط باسم القوات المسلحة الليبية، إلا أن طلبه قد قوبل بالرفض، ولا يبدو قيام (دويلة) عرقية على الحدود مع السودان يعتبر شأناً داخلياً فحسب، لا يترتب عليه انتقال ذات المرض لبلدان مجاورة مثل تشاد والسودان والنيجر وأفريقيا الوسطى.. وتعاني الشقيقة “تشاد” من بعض المناوئين لحكم الرئيس “إدريس دبي” من جنوب تشاد ذو الخصائص الثقافية والعرقية المغايرة لشمال تشاد الذي تسيطر عليه قبائل “القرعان والرزيقات والزغاوة وخزام” في محافظة (أم التيمان)، بالإضافة إلى البرقو (الصليحاب).

ومن المفارقات أن الزغاوة في تشاد يعتبرون عرباً مسلمين، وهناك جهات مناوئة للرئيس “إدريس دبي”، تعتبر حكمه هو حكم العرب المسلمين بحسبانه ينتمي إلى الزغاوة الذين يصنفون في السودان جهة القبائل الزنجية.. وحالة الاستقرار التي يعيشها إقليم دارفور الآن يمكن أن تنقلب في لحظات إلى منطقة صراع للقوى التي تتقاتل الآن في ليبيا.. وتشظي الدولة هناك وقيام دويلة صغيرة للتبّو الذين لا يتجاوز عددهم نصف المليون، ولكنهم يستأثرون بثروة بترولية كبيرة جداً، حيث تنتج المنطقة نصف إنتاج ليبيا من البترول غالي الثمن وعالي الجودة!!

نعم هي منطقة معزولة لا تطل على البحر الأبيض، وفي حالة انفصالها عن ليبيا ستواجه ذات المشكلات التي واجهتها دول عديدة في المنطقة.. تعيش دون نوافذ بحرية مثل “تشاد وجنوب السودان وأثيوبيا وأفريقيا الوسطى”.. ولكن السؤال لماذا لا يصبح “خليفة حفتر” هو حليف الخرطوم في الصراع الليبي.. الليبي، بدلاً عن اتهامها (بمولاة) الجماعات الأخرى؟!! وقد وضعت الخرطوم كل (بيضها) في سلة دول مجلس التعاون الخليجي.