جعفر عباس

يا حقارين موتوا من الحسد! أنا الذي كتبت «ذاكرة الجسد»!


قال الراوي -أبو الحزاوي والحكاوي- قبل عدة شهور وبضعة أيام -كنت مستغرقًا في المنام– بعد أن أكثرت من الطعام، فرأيت في نومي فتاة ذات وجه حزين. تصرخ: حقارين!! حقارين!! قلت: من أنت يا هذه السربونية؟.. وأنيسة أنت أم جنية؟.. قالت أنا ثورجية جزائرية. تجري في عروقي الدماء الثورية العربية. قلت: يا أمان الخائفين!.. اعلمي أنني من الرجعيين المتطرفين. ولا استظرف الثوريات ولا الثوريين. لكنني لست من الحقارين. رغم جسدي البدين والآن ماذا تأمرين؟ قالت اعلم يا شيخ الناس. إن كل العسكر على عباس. قلت تقصدين جعفر عباس؟ اللي ما يبوس ولا ينباس؟ قالت هذا مثل من الأمثال – يفهمه في الجزائر حتى الأطفال.
قلت اتركي الأمثال والألغاز – لمشاهدي التلفاز، وحدثيني بصراحة، فقد قيل أن الصراحة راحة. قالت اعلم أنني بنت موهوبة، وقد ولدت من لساني مسحوبة، وقد كتبت من الشعر ديوانين، قبل أن أتجاوز السنتين، وكان لي برنامج في الإذاعة، يستغرق 24 ساعة، وبسببه كثر الطلاق، وزاد الشقاق والنفاق. قلت: يخزي العين! وصحة، بل صحتين! فماذا تريدين الآن وأنت مشهورة في كل مكان؟ قالت شهرتي تقتصر على الجزائر. ولا يعرفني إلا ثائرة أو ثائر. وأريد أن أشتهر في القاهرة وعَمّان. وتباع كتبي في البحرين وعُمان. قلت: قال العربان، هذا الميدان، يا حميدان! قالت اعلم أن هذا زمن الرواية. ولكل زمنٍ آية. قلت وماذا تريدين مني؟ وأنت لا تعرفين شيئًا عني؟.. قالت: رأيت في بيروت بصارة، براجة ذات مهارة. يقال لها قارئة الفنجان، وقد كتب عنها المرحوم نزار بن قبان. قالت البصارة: لا يحل مشكلتك إلا فلان، الشهير بالشاعر السمين الإنسان، اطلبي أن يكتب لك حكاية، ويسطرها من البداية إلى النهاية. ثم انشريها باسم أحلام. وخذي حقوق الملكية بالتمام. قلت: اسمعي يا بنت الجبال الشاهقات. والرعود المبرقات. وما أدري وش بعد من الصاعقات. ماذا ستدفعين لي مقابل المجهود؟ قالت سأنظم قصيدة تصفك بالكرم والجود. قلت: وانو أبو هتاش النتاش!.. تبغينها ببلاش؟ أي مثل العمى والطراش؟ صرخت بأعلى صوتها: «حقارين!»، لا تعطفون على الجنس الأنثوي المسكين، وتضطهدون كل مبدعة، وتشبهونها بالضفدعة، أنتم الذين قتلتم مي زيادة، ونفيتم عنها الريادة، وأنتم خنقتم ابنة حفني ناصف، ورميتم بها في العواصف. قلت: يا لطيف!.. اعلمي أنني من أنصار الجنس اللطيف، ولقيت بسبب موقفي التعنيف، فما رأيك يا شيخة النسوان. أن نعقد اتفاقية الشجعان؟ أكتب لك رواية عصماء، تحسدك عليها أجثا كريستاء، وتجلب لك جائزة الأستاذ نجيب. وتتحول إلى فيلم رهيب. وسوف أسميها «ذاكرة الجسد»، وليمت الحساد من الحسد. فضحكت بنت الشاهقات الماحقات ضحكات طويلات متتاليات، وقالت يا لك من عطوف رحوم، رغم ما عليك من لحوم وشحوم. قلت: لم تنته الاتفاقية. ففيها بنود سرية. اعلمي أنني أفكر منذ سنين، في أن أتحول إلى روائي من الروائيين، بعد أن كسدت الدواوين، وأهملني كبار النقاد الحداثيين. وأود كتابة رواية جنونية، وأسميها العصفورية، وعندما رأيتك تصرخين. «حقارين»! «حقارين»! تذكرت المجانين، فما رأيك أن تكتبي لي رواية البروفيسور المهبول، بشار بن الغول، وأنا أكتب لك رواية الرسام المذهول، أبو يد مقطوعة، وكلمات قليلة غير مسموعة؟ قال الرواي: يا إخوان.. وهذا، بالضبط، ما كان. وكتبت صاحبتنا «العصفورية»، فدخلت كل مملكة وجمهورية، وأشاد بها النقاد، باستثناء قلة من الأوغاد، وقد آن الأوان لنشر الحقيقة في وكالات الأنباء، رضي من رضي وغضب من شاء.
(هذا مقال كتبه الحبيب غازي القصيبي رحمه الله يتطنز فيه علي وعلى الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي التي كانت بيني وبينها حرب أهلية على صفحات مجلة المجلة عام 1997).