من حسن ظن السماك بنا
في واقعنا العربي الآن لم يعد الخبر المثير والجاذب هو الخبر الذي يحكي عن خلافات جديدة أو تجدد صراعات قديمة هنا أو هناك.. مثل هذه الأخبار لم تعد تمتلك صفة الإدهاش أو لفت الانتباه.. بل على العكس تماماً أصبحت أخبار التصالح والتوافق ونماذج تقبل الآخر النادرة هي المدهشة، اللافتة للانتباه والاهتمام من الجميع، بسبب شحها بل ندرتها وغرابتها..
كيف نتصور أن يتوافق كيانان سياسيان داخل دولة عربية؟ هذا غير وارد وغير ممكن.. أن يتقبل طرف وجهة نظر الطرف الآخر بصدر المحب.. هذا غريب تماماً، ولا يحدث إلا تكتيكياً أو لتحقيق مصالح محددة.. فالأصل هو التنافر والتصادم والاختلاف.
وأول أمس طالعت مقالاً لكاتب بحريني في صحيفة الوسط البحرينية بعنوان (بين حسن الترابي… ومحمد إبراهيم نُقُد) تطرق فيه لمقارنة بين جنازة الراحل نقد وجنازة الدكتور الترابي بالإشارة لموقف الحكومة وتعامل الإعلام والتلفزيون الرسمي مع الجنازتين بتغطية لائقة تعبر عن إقرار عملي من الحكومة بمكانة هذين القائدين المعارضين ودورهما ووزنهما الوطني والسياسي في تاريخ السودان وكذلك أشار إلى علاقات الرجلين مع بعضهما البعض وعبر هذا الكاتب واسمه (رضى السماك) عن استنتاجه بأن هناك نموذجا متفرد في السودان: “على مستوى العالم العربي وعلاقة مبنية على التفاهم والاحترام المتبادل بين نقيضين في الحياة السياسية والفكرية هما أقوى حزب إسلامي ممثل بحزب المؤتمر الشعبي بقيادة الراحل الشيخ الترابي وأقوى حزب يساري ممثل بالحزب الشيوعي السوداني بقيادة الراحل نُقُد”.
طالعت هذا المقال بعين أخرى طبعاً تعرف (البير وغطاها).. لكنني آثرت التغافل البراغماتي وشعرت بشيء من الارتياح على طريقة (لو قالوا ليك سمين قول آمين)..
فحالة بلادنا السياسية وواقعها المشتبك مثل حالة أنثى متعطشة ومحرومة من الكلام المعسول، وغارقة في الهم والإحباط لا تسعها الدنيا من فرط الاحتفاء والفرح لو غازلها أحدهم بما فيها وما ليس فيها من ميزات جمالية حتى ولو صدرت كلماته بغرض المعاكسة. لكن عين رضى السماك رطبة ومتفائلة بما يجعلها ترفع معنويات من تنظر إليه.
والسماك لم يكذب لكن تحليله واستنتاجه هذا كان يفتقد لمعلومة أساسية هي طبيعة الشعب السوداني وأخلاق السودانيين في مثل هذه المناسبات حيث تفرض تلك الأخلاق السودانية سلطتها على مواقف السودانيين في مثل هذه الحالات تجاوزاً لأي موقف سياسي أو خلاف بين الفرقاء..
وهذه هي الميزة الجمالية المتفردة في هذه الأنثى والتي لم تخطر على بال السماك وهو يستنتج أن الحزب الشيوعي والمؤتمر الوطني على درجة من التفاهم والانسجام يصلح (مينشيتاً) موحداً على صدر جميع الصحف العربية..!
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
جمال علي حسن – (جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي)