مصطفى أبو العزائم

“حمدي بدر الدين”.. الذبح بسكين صدئة!


الأستاذ “أحمد علي بدر الدين”، الذي اشتهر بيننا باسم “حمدي بدر الدين” علم من أعلامنا في مجالات العمل الإذاعي والتلفزيوني، ما في ذلك شك، وكان نجماً لامعاً شديد الضياء في مجاله، تقلد أرفع المناصب منذ أن وضع قدمه عند أعتاب الإذاعة السودانية بأم درمان، التي جاءها من حي المقرن العريق بمدينة الخرطوم، ليصبح اسماً كبيراً في هذا المجال، قدم نشرات الأخبار، والبرامج السياسية، وقدم البرامج المنوعة والجماهيرية التي تعد الأصعب في مجال البرامج، وذلك لأنه تمتع بـ(كاريزما) جعلته مفضلاً لدى مستمعيه بداية، ثم مشاهديه في شاشات التلفزيون، وهي ما يمكن أن نصفه بـ(القبول) إذ إن (الكاريزما) كلمة يونانية أو مصطلح مشتق من كلمة نعمة، أو هبة إلهية يجعل الشخص مفضلاً عن غيره.. وهكذا كان الأستاذ “حمدي بدر الدين” في مجال البرامج الجماهيرية، عندما بدأ تقديم أحد أفضل برامج المسابقات في تلفزيون السودان حمل اسم (فرسان في الميدان) وجعل إلى جانبه أعلام هم أنفسهم كانوا قيمة مضافة لذلك البرنامج، منهم الأساتذة “علي المك”، “عوض إبراهيم عوض”، “منى محمود” وغيرهم.
دارت دورة الأيام، وتغيرت الأوضاع، وبرزت مفاهيم جديدة ورؤى حديثة في مجالات التقديم والمشاهدة، وغاب الأستاذ “حمدي بدر الدين” عن الساحة، وابتعد فترة ليست بالقصيرة في الولايات المتحدة الأمريكية مع أفراد أسرته هناك، لكن أسباباً موضوعية وخاصة عادت به إلى السودان، لكنه لم يكن هو ذات الأستاذ الفتي الشاب، فقد دهمه المرض وازدادت سطوته عليه كلما تقدم به العمر.
لا الدولة ولا المجتمع وقفوا يتفرجون على ما آل إليه حال الأستاذ الكبير “حمدي بدر الدين”، وأنا شخصياً أعرف الكثير حول هذا الأمر، وقد أهداه السيد النائب الأول السابق الأستاذ “علي عثمان محمد طه” سيارة تعينه في حركته وتنقله، لكن الأستاذ قدّر أن قيمتها ستكون أفضل له، لأن السيارة تحتاج إلى سائق ووقود وصيانة.
وبعض الرموز أعلنوا عن مساندتهم للأستاذ “حمدي بدر الدين”، ووقفوا معه في محنة المرض، وقدم بعضهم تذاكر السفر له ولمرافق مع عملات صعبة للمساهمة في علاجه بالخارج، وقد كُلفت من قبل أحد تلك الرموز أن أتولى ذلك، ففعلت.
كثيرون رأوا أن يساهموا في هذا الأمر، حتى الشباب لم يقبلوا أن يصل الحال بالأستاذ “حمدي” إلى الحد الذي لا يتمكن فيه من دفع قيمة (مشوار الأمجاد) لإجراء الدلك والعلاج الطبيعي، فعملوا على تقديم ما يعين، لكن المرض يرفع من حساسية المريض دائماً، فلم يستمر أولئك الشباب، ولم ينس الله عبده “حمدي” فسخر له آخرين.
شائعات الموت أخذت تلاحق الأستاذ “حمدي” عن طريق الوسائط الاجتماعية، وحدث أن تم نعيه عن طريق الـ(واتساب) عدة مرات، وكنت أتواصل معه، فهو أحد زملاء وأصدقاء السيد الوالد الأستاذ “محمود أبو العزائم”– رحمه الله– وأحاول بجهد المقل أن أتابع أخباره وأعرف أحواله، خاصة وأن كثيرين حاولوا أن يستغلوا حالة الأستاذ “حمدي بدر الدين” استغلالاً يتجاوز حدود الإنسانية ليحملوا الحكومة ما آل إليه الحال، لكنهم ما كانوا يدرون أنهم بفعلهم ذاك إنما يذبحون الأستاذ الكبير بسكين صدئة كل يوم وكل ساعة.
الأستاذ “حمدي” عانى من قبل من جلطة ما زالت آثارها متمكنة منه حتى يومنا هذا– شفاه الله– وأصبح أكثر حساسية من ذي قبل.. لذلك نرجو أن نرحم ضعف الرجل، وألا نستغل المواقف السياسية من أجل تشويه صورة أحد رموزنا الكبرى.. فأستاذنا وأستاذ الأجيال “حمدي بدر الدين” يحتاج لأسرته المقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية، مثلما يحتاج لنا أجمعين.. لكن الذي أتأكد منه تماماً هو أن الله سبحانه وتعالى لن ينسى عبده “حمدي”.. وأود القول إن النجم القديم يذهب ويبقى ضوؤه، وإن الزهر يذبل.. ويبقى العطر.