“عز الدين السيد”.. حانت ساعة الشكر
عقب صلاة مغرب (الثلاثاء) الخامس عشر من مارس الحالي، امتلأت قاعة الاجتماعات الكبرى داخل مقر اتحاد أصحاب العمل بالحديقة الدولية في الخرطوم.. امتلأت بالرموز على سعتها، وكان الحضور يمثل أكثر من حقبة وزارية وبرلمانية في كل عهود الحكم الوطني، كلهم اجتمعوا وأجمعوا على شخص غاب عنا وعن دنيانا، لكنه كان حاضراً بالفعل والعمل والذكرى الطيبة، هو الراحل المقيم السيد “عز الدين السيد”.
ذلك الاجتماع كان تمهيداً للتفاكر من أهل العمل الوطني وأصدقاء ومحبي وتلاميذ الراحل المقيم “عز الدين السيد” لإحياء الذكرى السنوية الأولى لوفاته، والتي تحل علينا في الثاني والعشرين من (مايو) المقبل بإذن الله، وجاء الاجتماع بمبادرة كريمة من ابنه وصفيه وأحد النجباء من تلاميذه، الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل”، بصفته رئيساً للجنة القومية لإحياء ذكرى الفقيد “عز الدين السيد” قد يكون ثاني اثنين تقلدا الوزارة وهما دون الثلاثين، إذ أصبح أول وزير للصناعة والتعدين عام 1966م، وأسس وزارة التجارة والتموين نهاية ذلك العام، وسبق ذلك بأن تم انتخابه عضواً بالجمعية التأسيسية الأولى (1965-1966م) ويلتحق بوفد السودان في “الأمم المتحدة” عام 1995م، وكان – رحمه الله – أول من سودن التجارة الخارجية والتوكيلات التجارية في يناير 1967م، ليصبح في ذات العام رئيساً للمجلس الاقتصادي العربي بجامعة الدول العربية.
بدأ الراحل المقيم حياته السياسية مبكراً وأصبح وزيراً وهو دون الثلاثين، ولم يتقلد الوزارة لفترة طويلة من هو دون الثلاثين إلا الدكتور “إسماعيل الحاج موسى” الذي جاء وزيراً في الفترة المايوية وهو في السابعة والعشرين من عمره، في وقت كانت أعمار الوزراء تبدأ من سن الخمسين.
“عز الدين السيد” – رحمه الله – بدأ حياته اتحادياً ومات وهو لكل السودان، وبقيت آثاره ممتدة في كل عهود الحكم الوطني، وتحفل سيرته الذاتية بمواقع ومناصب وأعمال وإنجازات، جعلت شخصيته عصية على التكرار مع كل المتغيرات والتحولات السالبة أو الموجبة التي تشهدها بلادنا.
أسهم الدكتور “عز الدين السيد”، الحاصل على درجة الدكتوراة الفخرية في العلوم السياسية من (جامعة سيول)، أسهم من خلال عضويته لمجلس الشعب الأول عام 1973م في وضع الدستور الدائم للسودان، وتولى رئاسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشعب القومي في الفترة الممتدة من (1976 إلى 1980م)، مثلما كان عضواً بالاتحاد الاشتراكي السوداني وأميناً للعمال، ورئيساً لاتحاد التأمين العربي، ورئيساً لهيئة مجلس الشعب بالاتحاد الاشتراكي، وعضو اللجنة الشعبية لتطوير العمل بالاتحاد الاشتراكي السوداني، وأصبح رئيساً لمجلس الشعب القومي الخامس (1982م وحتى 1985م)، وكان مؤسساً وأول رئيس لاتحاد البرلمانات العالمي، غير رئاسته لعدد من مجالس الإدارات ومجالس الأمناء في عدد من البنوك والشركات والمجالس والهيئات الخيرية، وظل رئيساً لاتحاد أصحاب العمل السوداني لثلاث دورات متتالية بدأت عام 1994م وانتهت في العام 2005م.
لم يقف جهد الراحل المقيم “عز الدين السيد” الحاصل على درجة دكتوراة فخرية ثانية في القانون من جامعة الأحفاد، لم يقف جهده عند عهد سياسي واحد، فقد كان يستشعر أهمية أن يمتد الجهد الوطني لكل الوطن في كل العهود، وإن لمع نجمه بصورة أكبر خلال فترة الحكم المايوي، لذلك كان (مايويون كبار) من بين حضور الليلة الأولى التي بدأ فيها التمهيد للاحتفال بذكرى رحيل هذا الرجل القامة، ورأوا أن الكثير من انجازاته الوطنية كانت خلال العهد المايوي، وأنه ارتبط بذلك الشهر وحتى أن رحيله كان في ذات أيام الانقلاب الذي يسمونه ثورة، وقد أشرت إلى ذلك بعد انتهاء الاجتماع الرسمي، ووجدت أن المايويين كانوا الأعظم اهتماماً بالحدث، وقال لي الأستاذ “كمال الدين محمد عبد الله”، إن “عز الدين السيد” منهم وهم منه.
اللهم أرحم الراحل المقيم “عز الدين السيد” وأرحم رموزنا الوطنية وكل الذين قدموا الجهد والوقت والعرق والدم والمال من أجل هذا الوطن، وأغفر لهم وأدخلهم فسيح جناتك مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.. وصلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.. آمين..
وجمعة مباركة