أكياس نفايات على شماعة المؤامرة
يمكننا أن نتقبل فكرة أو نظرية المؤامرة على مستوى الحديث عن (سسبكة) المنطقة العربية من جديد، (وسسبكة) هذه هي مصطلح خاص قمت بنحته وتوضيبه لهذا المقال من عبارة ومعاهدة (سايكس بيكو) التي تستحضر الأقلام سيرتها هذه الأيام بمناسبة مرور مائة عام عليها وهي الاتفاقية التي قضت بتفكيك الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.. يتذكرها المحللون هذه الأيام في سياق حديثهم عن مشروع الشرق الأوسط الجديد ونوايا تطبيق سياكس بيكو جديدة.
هذا حديث نتفهم منطق من يتبنونه ويتبنون نظرية المؤامرة في تحليلهم للواقع..
لكننا لا نتفهم أن تتحول هذه (السسبكة) إلى شماعة واسعة لأي خيبة أو فشل في إنجاز أي مهمة كانت، مثل حديث مدير هيئة نظافة ولاية الخرطوم في تعليقه المنقول في الزميلة (السوداني) يوم الأربعاء حول تقرير صادر من إحدى المجلات الأمريكية صنف الخرطوم كأوسخ عاصمة في العالم..
لا مكان لنظرية المؤامرة يا دكتور مصعب البرير وأنت تقول في رفضك لتقرير المجلة الأمريكية بأن (القصد منه إحباط المهمة والجهد القائم حاليا)..!!
كان من الممكن أن ترفض تصنيف الخرطوم كأوسخ عاصمة في العالم وترفض تقرير المجلة الأمريكية أو نتيجة الاستفتاء الذي قامت به بمنطق يقبله العقل دون اللجوء إلى نظرية المؤامرة فأنا شخصياً غير مقتنع بدقة هذا التصنيف لكنني لا أفسره بأنه عمل تآمري ضد هيئة نظافة ولاية الخرطوم..!!
كما أننا يجب أن نكون أكثر موضوعية وواقعية ونقر بأن الخرطوم إن لم تكن الأوسخ عالمياً فهي على الأقل لا تتبوأ مركزاً متقدماً في تصنيف العواصم النظيفة، بل يجب أن نقر جميعاً وأنت قبلنا بأن الخرطوم متسخة تماماً برغم جهودكم أو بالأصح برغم رغبتكم وتمنياتكم بجعلها نظيفة.
فما نيل المطالب بالتمني خاصةً في عالم يرصد ويصنف ولا يجامل أصحاب الأماني العذبة..!
الخرطوم متسخة يا دكتور قالت المجلة الأمريكية أو لم تقل.. وقال من يستهدفون جهودكم أو لم يقولوا فالقضية ليست قضية سياسية أو فكرية أو عسكرية أو أمنية.. هي قضية قصور في الخدمات وضعف في نظام النظافة وتشريعاتها كما تحدثنا من قبل.
لا مقارنة بين الخرطوم والكثير من العواصم العربية الأخرى التي بلغت حكوماتها مراحل متقدمة في إلزام نفسها بتطبيق نظام نظافة منضبط.. بل قامت بسن تشريعات تعاقب حتى من (يبصق) في الشارع العام في غير المكان المخصص لذلك.. هذا القانون مطبق في عدد من عواصم الخليج، لذلك تقل نسبة الإصابة بأمراض التلوث وكل حزمة الأمراض التي يكون مؤشرها هو (وجع البطن).. تكاد تكون مثل هذه الأمراض غير موجودة تماماً في المدن النظيفة.
نحن لا نقول إن الخرطوم أوسخ مدينة كما أننا لا نحلم الآن بأن يظهر اسم الخرطوم على رأس قائمة أنظف المدن والعواصم.. فقط نحلم بمدينة نظيفة معقولة.. مدينة لا نموت بسبب التلوث فيها.. مدينة لا تقتلنا أوساخها.. وهذا الحلم لا يتطلب أكثر من هيئة نظافة متمكنة فنياً وتعرف كيف تؤدي عملها.. مع سن تشريعات ناصعة الحسم.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.