تسقط الحكومات الإلكترونية (1)
بدأت في دولة قطر وعلى المكشوف إجراءات تهدف إلى التخلص مني، ولكن هيهات فمنذ سنوات والعمل يجري على قدم وساق لاستكمال ما يسمى بالحكومة الإلكترونية التي يقوم فيها الكومبيوتر بتصريف معظم الأعمال. ومعنى هذا أنه لا مكان للديناصورات من أمثالي في دواوين العمل، وبدوري فقد بدأت بتشكيل جبهة معارضة تتألف من القوى العربية الأصيلة لمناهضة تلك الحكومة، وسأحرج حكومة قطر بالمطالبة بمنحي الفرصة للظهور في قناة الجزيرة الفضائية وبالتحديد في برنامج الاتجاه المعاكس الذي يقدمه فيصل القاسم، لإسماع صوت المعارضة التي أمثلها، ويا ويل ابن القاسم إذا قاطعني بعبارته المعتادة: لدي كم هائل من الرسائل، وسأعطيك الفرصة عقب هذا الفاصل القصير
تفنيش ابن آدم ليحل محله جهاز كله أسلاك قابلة للتلف يمثل انتهاكا لحقوق الإنسان، ومعلوم أن متوسط عمر الإنسان عشرين ضعف عمر الكمبيوتر، الذي لا يكاد يمر أسبوع من دون أن يصاب بعلة: تكتب عليه 3000 كلمة وفجأة «يعلق» ويتجمد فلا تستطيع إضافة حرف لما كتبت أو الاحتفاظ بما كتبت، والإنسان لا يصاب بفيروس إلا مرة أو اثنتين طوال عمره بينما الكمبيوتر الجالس في مكتب في المنامة يصاب بلوثة عقلية فتستنجد باختصاصي أمراض الكمبيوتر فيقول لك: الدوام لله.. صاده فيروس من فنزويلا.
والحكومة الإلكترونية بدعة لا إنسانية وجدت الرواج في جميع دول الخليج، رغم أن أهلها محافظون، بينما الكمبيوتر الذي هو عصب الحكم الإلكتروني قليل الأدب، وبداخله بلاوي تجعل هيفاء وهبي تبدو «طالبانية». ولكن لماذا لا تروق لي فكرة الحكومة الإلكترونية؟ لأنها وببساطة ستؤدي إلى أنها خدمات مئات الآلاف من الموظفين. ومن بين القطاعات القليلة التي تدرك مخاطر الحكومة الإلكترونية في العالم العربي قطاع البنوك، ومن ثم فإنك تدخل بنكاً عربياً وتقدم للموظف الشيك فيتفحصك بنظراته ليقرر إذا ما كان ينبغي معاملتك باحترام أو بالأسلوب المعتاد، ثم يرفع الشيك إلى أعلى باتجاه مصباح الإنارة للتأكد من أنه أصلي، ثم ينظر الى الكمبيوتر من باب إبراء الذمة ولإعطاء الانطباع بأن أمور البنك تخضع لتقنيات حديثة. وبعد أن يجري اتصالا هاتفياً بزميله الجالس إلى يمينه ليعرف رأيه في هدف فرنسا الذهبي في منافسات كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، يطلب منك التوقيع مجدداً على الشيك ثم يحيلك إلى موظف آخر -وجهه يلعن قفاه- ليقوم بفتح خزانة قبيحة المظهر والمخبر ليخرج منها بطاقات تعود إلى العصر الأموي فينظر إلى الشيك ثم إلى البطاقة المهلهلة ويطلب منك إبراز بطاقتك الشخصية وعقد الزواج، وإذا اقتنع بصحة هذه المستندات أحالك إلى رئيس القسم الذي يطلب منك أن تحلف بالطلاق بما يفيد بأنك صاحب الشيك وأنك ضد التطبيع مع سويسرا. وإذا لمس فيك الصدق طلب منك أن تضع بصمتك على الشيك ثم يقول لك: تعالَ بعد أسبوع لأننا سنحيل الشيك إلى المباحث الجنائية لتقصي صحة التوقيع، أو هاتِ ثلاثة شهود عدول يثبتون أنك شخص محترم وغير حرامي، وإذا وصلت في آخر المطاف إلى أمين الخزينة يطلب منك أن توقع على الشيك لآخر مرة بالقلم الأحمر، ثم يبدأ بتسليمك المبلغ المطلوب وقلبه ينزف دماً وكأن الفلوس طالعة من جيب أبيه.
ولا يفعل موظفو البنوك كل ذلك عبثاً بل لأنهم يدركون أن استخدام الوسائل العصرية لتسيير العمل سيرغمهم على الهجرة إلى أمريكا وكندا ليعملوا في توزيع البيتزا بدراجات نارية غير مرخصة.
(جعفر عباس – صحيفة أخبار الخليج)