منى ابوزيد

الوجود والوجود الآخر ..!

«سلمان مِنَّا أهل البيت».. نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم !
العالم كله يتجه اليوم نحو ردم الفجوة المعرفية بين الأمم من خلال ما يسمى بـ»نقل المعرفة» بين الدول، وهو نهج ينهض في مجمله على «تدويل» المقاصد و»أنسنة» الغايات، لكنه محفوف ـ شأنه شأن أي احتكاك أو تلاقح إنساني ـ بتفاوت المسالك والعادات واختلاف المفاهيم والعبادات!
المؤرخون اتفقوا على أن حفر الخندق حول المدينة المنورة كان أول وأولى أسباب نصر المسلمين وهزيمة جيوش القبائل العربية في غزوة الأحزاب، و أن صاحب الفكرة هو سلمان الفارسي رضي الله عنه، والذي كان بتعريف قوانين الهجرة العالمية وافداً أجنبياً على سكان البلاد، ساعد في تطوير عتادها العسكري، من خلال ما يسمى ـ عند أهل هذا العصر ـ بـ «آلية نقل المعرفة» ..!
في هذه الحكاية عدة دلالات على مؤازرة الحكمة النبوية لمفاهيم عصرية تتعلق بتعاطينا مع الآخر عموماً وبتدبيرنا بشأن الوجود الأجنبي في بلادنا على وجه الخصوص.. صحيح أن أصوات كثيرة عالية تنادي بضرورة الحسم والحزم في ضبط الوجود الأجنبي بالسودان، ولكنني أقول إننا يجب أن نتأكد من ضبط بعض المفاهيم المتعلقة بهذا النوع من الوجود الإنساني قبل المناداة بالاجتهاد في ضبطه ..!
معظم الدول النامية اجتهدت في ضبط العمالة الوافدة بعد أن عبرت مراحل أساسية وفارقة في رحلة التنمية والعمران وتطوير الاقتصاد وتشجيع الاستثمار، وحققت نجاحات ما كان لها أن تتحقق لولا بعض الفوضى الاجتماعية الخلاقة!.. وفي السودان تسمح قوانين الاستثمار بالتواجد المنظم والمتنامي للعمالة الأجنبية، و معلوم أن أي حراك اقتصادي له ما له وعليه ما عليه من مثالب.. ومن مثالب انفتاحنا الاقتصادي ظاهرة الإتجار بالبشر وآفة استيراد التسول وانتشار بعض الظواهر والجرائم .. إلخ .. ولكن كله ـ في تقديري ـ مقدور عليه باستحداث بعض القوانين الذكية الرادعة وليس بمحاربة الكثرة التي تقول الحكمة أننا نحتاجها ولو إلى حين أسوة بآخرين سبقونا في التنمية! .!
هذا القلق الحكومي والشعبي يمكن أن ينحسر إذا استنارت السلطات ببعض التجارب، في الكويت مثلاً يعتبر تخطي الإشارة الحمراء أو السرعة الزائدة سبباً في إبعاد الوافدين، وفي دولة قطر أطلقت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع مشروع «معايير رعاية العمالة الوافدة»، وفي السعودية تخير السلطات الوافدين المخالفين بين توفيق أوضاعهم أو مغادرة البلاد ..!
السودان يشترك مع تسع دول في حدود بلا موانع طبيعية، على جانبيها سكان ينتمون إلى ذات القبائل، فضلاً عن مجالب ساحل البحر الأحمر.. الأمر الذي يصعب معه أن تأخذ آليات الضبط طابعاً متحاملاً يثير حفيظة المنظمات الدولية والحقوقية.. اعتقد أننا بحاجة أولاً إلى فلترة مفهوم الضبط نفسه، وإلى إعادة تصنيف أنواع ذلك الوجود، ثم إلى أن نتحرى ـ نحن أنفسنا ـ الانضباط في تفصيل بعض القرارات وحياكة بعض التصريحات..!
منى أبو زيد – (هناك فرق – صحيفة آخر لحظة)