جمال علي حسن

عطش الخرطوم بصيت تفجيرات بروكسل


كان مؤسفاً للغاية ما ورد في ذلك التقرير الصحفي الذي بثته (بي بي سي) في نشرتها الإخبارية أمس عن أزمة مياه الشرب في الخرطوم كعنوان بارز لليوم العالمي للمياه 22 مارس .
التقرير قصير جداً لكن أرقامه وصوره ومشاهده العابرة ترسم صورة بئيسة للسودان في نظر كل مشاهد في هذا العالم وتعزز الانطباع بأننا دولة (منتهية)..
ولأن تقارير نشرة بي بي سي يتم تكرارها عدة مرات كنت أحاول مشاهدة هذا التقرير في عدة مرات بعين مختلفة.. فمرة أشاهده بعين مسؤول حكومي ومرة أشاهده بعين مواطن يواجه العطش.. ومرة أشاهده بعين مواطن عربي يعرف عن السودان بعض الأشياء الطيبة ويكذب غيرها، لكنه لم يسجل زيارة للسودان في حياته، ومرة بعين مشاهد أجنبي يطالع تلك التقارير الدولية التي تصنف السودان في المقاعد الخلفية لدول العالم في الكثير من المجالات..
كل هذه العيون المختلفة كان القاسم المشترك في نتائجها هو فشل الحكومة في توفير مياه شرب نقية للمواطنين في السودان.. مهما تأتي الحكومة بعد تلك الصور والإفادات التي عرضتها بي بي سي أمس وتتحدث عن جهودها في معالجة هذه الأزمة فإن الانطباع الذي يرسخ بالمشاهد والصور يحرم الحكومة من ثقة المستمع في حديثها.
وليس اللوم على بي بي سي فقد قدمت عملا ً مهنياً وكانت معلوماتها صحيحة وصورها حية، لكن اللوم على غياب النظرة الكلية لتحسين صورة السودان من جانب مؤسسات رسمية وسيادية تظن أنها تجتهد لتحسين تلك الصورة سياسياً ودبلوماسياً دون أن تمتلك تلك النظرة الكلية الشاملة التي تجعلها تحسن ترتيب أوليات عملها بتحسين واقع الحياة وتنهي فرصة الحصول على مثل هذه الصور البائسة بمعالجتها للمشكلة وليس بأي طريق آخر مثل منع النشر وحظره.
قضية مياه الشرب يجب أن يتم سحب ملفها من المؤسسات الولائية ومستويات الاختصاص الأقل ووضع هذا الملف ضمن ملفات القضايا الاستراتيجية التي تشرف عليها رئاسة الجمهورية بشكل مباشر باعتبارها قضية أساسية لا يصلح ولا ينجح بدون معالجتها أي جهد استثماري أو سياسي أو اقتصادي ولا تتحقق وضعية خارجية مناسبة للسودان.
وتقرير بي بي سي الذي بدأ بصورة شاب يمتص الحنفية بفمه في أحد أحياء الخرطوم ثم استعرض مفارقة بيع المياه (في حارة السقايين) كما يقولون أي بيع مياه الشرب بوساطة عربات الكارو لسكان أحياء تبعد أقل من ثلاثة كيلومترات عن النيل في عاصمة السودان ثم أورد نسبة المياه العذبة المنتشرة في خمسين بالمائة من مساحة السودان المقدرة بأكثر من 15 مليار متر مكعب من المياه العذبة في جوف أرض السودان وأكثر منها على مجرى النيل.. من يشاهد هذا التقرير القصير أمس تختطفه الشفقة والعطف على أهل السودان من حالة الشد والمتابعة للرصد الإخباري المتزامن مع هذا التقرير بخصوص تفجيرات بروكسل..
وتفجيرات بروكسل أمس رفعت من نسبة مشاهدة الناس للفضائيات الإخبارية ما يعني أنها رفعت من نسبة مشاهدة تقرير عطش الخرطوم في يوم المياه العالمي، وبالتالي رفعت من نسبة الانطباعات السالبة عن حال بلادنا في كل أنحاء الدنيا.
نحتاج من يمتلك عيناً كلية فاحصة يتقن بها ترتيب الملفات وأوليات عمل الدولة في السودان بحساسية عالية حتى نبعث للعالم بلقطات لا تستحي منها بلادنا بدلاً عن تلك الصورة الشائهة.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.