“غندور” وحصاد الثمر!
تحركات البروفيسور “إبراهيم غندور”، وزير الخارجية الأخيرة في مختلف الاتجاهات، ومشاركته في عدد من المناشط الدولية، وزيارته لبعض الدول الأوروبية، ستؤدي من المؤكد إلى انفتاح كبير في علاقات السودان الخارجية، وتحديداً في علاقاته مع الدول الأوروبية المتأثرة قبلاً بإعلان المقاطعة الأمريكية على السودان، والتي تضرر منها الشعب السوداني أكثر مما تضررت منها الحكومة، ودليلنا على ذلك بقاء الحكومة حتى يومنا هذا مع تنامي أزمات المواطن السوداني وزيادة معاناته، خاصة وأن ذات الجهات المقاطعة تدعم قوى عسكرية (مصنوعة) لإسقاط النظام في الخرطوم، لم تستطع إسقاط النظام ولم تتمكن تلك القوى من نزع اعتراف داخلي وشعبي بشرعيتها، وهو ما جعلها تتشظى وتتفرق أيدي سبأ، بعضها التحق بقطار السلام، وبعض قليل منها آثر البقاء في متاهات الثورة خشية العودة إلى مجتمعاته القديمة التي حدث بينه وبينها ما استوجب المحاكمة المجتمعية وجرد حساب في الخسائر التي لحقت بالأرواح والممتلكات!
آخر الأحداث الدبلوماسية الكبرى في نظر كثير من المراقبين للشأن العام، هي تلك المباحثات التي جمعت لجنة التشاور الإستراتيجي بين السودان وبريطانيا، التي اتفق خلالها الطرفان على تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين في البلدين، والعمل على زيادة حجم التعاون التجاري والاستثماري والثقافي بين “الخرطوم” و”لندن”.
وزير الخارجية البروفيسور غندور استقبل الوفد البريطاني ولا ندري ما الذي دار بينه وبين رئيس وأعضاء الوفد، لكننا نستطيع التأكيد على أن اللقاء تضمنت أجندته كشف تفاصيل مؤتمر الحوار الوطني وتقديم ملخص لمخرجاته، خاصة وأن بريطانيا تعدّ من الدول الأوروبية ذات العلاقة التاريخية مع بلادنا، وهي أكثر دولة من خارج القارة الأفريقية معرفة بتفاصيل جغرافية وتاريخ السودان ومكوناته السياسية والاجتماعية بحكم وجودها الاستعماري وسيطرتها على مقاليد الأمور في بلادنا منذ الثاني من سبتمبر 1898م عقب معركة “كرري” ونهاية الدولة “المهدية”، وحتى الأول من يناير عام 1956م يوم أن تم إنزال علمي دولتي الحكم الثنائي من سارية قصر الحاكم العام في الخرطوم وإعلان السودان دولة حرة مستقلة.
بريطانيا تعدّ الآن هي المرجع الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية في كل ما له علاقة بالشأن السوداني، وتعرف تماماً القدر الهائل للإمكانيات الضخمة والثروات العظيمة التي يتمتع بها السودان، خاصة وأنها هي التي ربطت أجزاءه بأطول خط سكة حديد في أفريقيا، وأنشأت ونفذت أحد أعظم المشروعات الزراعية المروية فيه، ليكون إمداد مصانع الغزل والنسيج في “يوركشير” من مشروع الجزيرة بالسودان، إضافة لمعرفة مؤسسات الحكم وصناعة القرار في “لندن” بتوزيع القوى الدينية والمعنوية الجبارة في السودان بين عدد من البيوتات الطائفية التقليدية القديمة، قبل أن تمتد يد الحداثة لتغيّر من هذا الوضع إلى حد كبير، لكن يد الحداثة، والتغيير لم تستطع حتى الآن إلغاء مراكز القوى الدينية والطائفية في السودان، إلغاء تاماً، وإن أضعفتها بعض الشيء.
الحراك الرسمي هذا، سيؤتي ثماره ما في ذلك شك، لكن لابد من حراك مجتمعي آخر، حراك يستصحب معه كل تاريخ الصداقة السودانية البريطانية، سواء أكان ذلك الحراك عن طريق الرموز المجتمعية أو القوى الحديثة والحية، ومنظمات المجتمع المدني.. وقد سعدت كثيراً قبل أيام إذ هاتفني من “لندن” الأخ الأستاذ “ابن سينا حسين عثمان منصور”، وأطلعني على تحركات يقوم بها حالياً لاصطحاب وفد من السياسيين والإعلاميين والبرلمانيين البريطانيين لزيارة السودان.. وهذا قطعاً سيكون أحد المفاتيح المهمة لفتح أبواب التعاون مع العالم الذي عملت الإدارة الأمريكية في فترة من الفترات على سد كل المنافذ للتعاون معه.