حيدر المكاشفي

صدقية نقد .. تربص المذيع وانتهازية المهاويس

مرت علينا أول من أمس الذكرى الرابعة لرحيل الأستاذ محمد إبراهيم نقد، سكرتير الحزب الشيوعي السابق، غير أنني لست هنا اليوم للحديث المباشر عن الفقيد الكبير في ذكرى رحيله الفاجع، وإنما للتذكير بتلك المحاولة الرخيصة التي حاول من خلالها بعض المهاويس تجريم الفقيد والزج به إلى السجن بتهمة المجاهرة بالمعصية، كان ذلك أيام انتخابات عام (2010) التي ترشح فيها نقد للرئاسة، وباسم هذا الترشح استضافت نقد إحدى القنوات المحلية لاستعراض برنامجه، ولكن لترصد المذيع وتربصه بالزعيم الشيوعي سأله من غير مناسبة عن ما إذا كان يؤدي الصلاة المكتوبة، جاءت إجابة نقد بالنفي على هذا السؤال المغرض التجريمي الذي ترفضه المحاكم، ثم بعد ذلك نهض بعض المهاويس للاصطياد في الماء العكر وأعلنوا عزمهم على تحريك إجراءات جنائية ضد نقد تحت تهمة المجاهرة بالمعصية، ثم لتفرز المحصلة النهائية انتهازية واضحة لبعض من حاولوا اصطياد الإجابة سواء عن طريق التعريض بالرجل سياسياً وإعلامياً أو عن طريق إدانته جنائياً تحت تهمة لا أظن أن لها سابقة قضائية في تاريخ القضاء السوداني…
الشاهد في هذه الحادثة أن هؤلاء المهاويس الانتهازيين لم يكونوا مبدئين، وإلا لكانوا قبل اتهام نقد قد ملأوا سجلات الشرطة ومحاضرها بمئات التهم تحت بند المجاهرة بالفساد والمجاهرة بأكل أموال الناس بالباطل والمجاهرة بقتل النفس التي حرّم الله، وغير ذلك من التهم الجهيرة التي تمد أعناقها ساخرة وهازئة بكل قيم الأمانة والنزاهة والعفة والطهارة والعدالة. أليس من التهم الجهيرة أن يتطاول الحفاة العراة رعاة الإبل في البنيان بين ليلةٍ وضحاها، كما جاء في الحديث الشريف، أليس منها أن يثري البعض بين غمضة عين وانتباهتها، فينتقل بسرعة الصاروخ من خانة الفقراء المعدمين سكان بيوت الجالوص في أطراف المدن وهوامشها، إلى قلب الطبقة المخملية المرتاحة؟، ومن البيوت المطلية بالزبالة إلى الڤلل والعمائر المدهونة بالسادولين والسادولاك والسادوماستك والمكسوة بالبورسلين والسيراميك؟، وكل ذلك دون جهد واضح أو عطاء معروف، غير جهد النهب والسلب الذي برعوا فيه وولغوا فسكنوا العوالي وامتطوا الفارهات وتزوجوا مثنى وثلاث ورباع، فهل كف بصر هؤلاء فلم يروا كل هذه الدلالات التي تجهر وتزأر بالمعصية؟
ولكن رغم كل ذلك وبافتراض أن نقد قد جاهر بمعصية، مع أن الأمر غير ذلك، إذ إنه لم يبادر بإعلان عدم صلاته وإنما أجاب بصدق على سؤال مفخخ، ويكون بذلك قد مارس فضيلة الصدق التي لا يعرفها الكثيرون ممن يملأون علينا الصحائف والفضاءات بالأكاذيب دون أن يطرف لهم جفن ليل نهار، ليس صحيحاً أن نقد قد جاهر بمعصية، فهو لم يصعد المنبر ليقول للناس أيها الناس اسمعوها مني فأنا لا أصلي، حتى يقال أنه يجاهر بمعصية، كان ذلك اتهاماً جائراً ومغرضاً مثل السؤال الذي أنتج إجابة نقد تلك رغم صدقها.