“الفولة” تتعافى
في أيام د. “حسن رزق” والياً على غرب كردفان كتب البروفيسور “أبو القاسم قور حامد” مقالة شهيرة سارت بها ركبان قوافل (المسيرية)، تحت عنوان (الفولة رجل الولايات المريض). ثار الوالي غاضباً ومع غضب “أحمد حسين” الأمين العام للحكومة.. طبعاً إذا غضب الوالي على أحد في الولايات منذ قديم الزمان يغضب معه أمين الحكومة والوزراء والمعتمدون والسائقون وحتى الساعي في مكتب الوالي .. وحينها كانت “الفولة” تتمطى في خدرها عاصمة للولاية. حينما وصل أول فوج من الوزراء ما كانت المدينة تعرف الكهرباء ولا الهاتف ولا الماء البارد .. تفتقت عبقرية وزير المالية لدعم الوزراء (بزير لكل وزير)، وبعد عشرين عاماً من ذلك التاريخ وقد غسلت “الفولة” دموعها وجففت بطرف ثوبها خدها الأسيل .. وقد صرفت عنها الأقدار بل ربما صرفت هي عن نفسها ثلاثة حروب أولها حرب “أبيي” التي انتهت بمعركة اللواء (18) المجلد يوم دخوله المدينة في رابعة النهار أخريات الفترة الانتقالية.. والآن أصبح “سلفاكير” خصماً لدوداً لأبناء “أبيي” وأحفاد السلطان “دينق مجوك”، كيف لا يصبحون أعداء وقد نازعوه في الملك والسلطة فاضطر لطرد المحاضر بجامعة “جوبا” “لوكا بيونق” ووضع فتى الحركة الشعبية المدلل “دينق ألور” في السجن وأصاب المرض والحسرة قائد استخبارات الجيش الشعبي السابق “إدوارد لينو” بعد تصدع الجنوب وموت قضية “أبيي” بالنسيان، وفي غرب كردفان كان مقتل السلطان “كوال دينق مجوك” حدثاً هاماً جداً في سياق تطور قضية “أبيي” التي وضعتها الأقدار الآن في ثلاجة (اليونسيفا). أما الحرب الثانية وهي بجبال النوبة .. استطاعت عبقرية المسيرية والنوبة (التوصل) لاتفاق سلام غير معلن (نأى) بالجبال الغربية عن الخوض في غمار الحرب الحالية. والحرب الثالثة هي حرب (الذات) قتال (المسيرية ضد المسيرية) فأفلحت جهود أصغر ولاة السودان سناً وأكثرهم حماساً وحكمة في إطفاء حريق تلك الحرب التي حصدت مئات الأرواح .. ومنذ قديم الزمان كتب للمسيرية قدرة وحكمة وقبول عند أبناء عمومتهم (الرزيقات)، وكل الحروبات التي يخوضها (الرزيقات) يملك (المسيرية) (طفاية حريقها).. وكذلك (الرزيقات) هم من يملكون مفاتيح حل مشكلات (المسيرية).. ربما لهذا السبب اختار الرئيس “عمر البشير” الوالي الأمير “أبو القاسم بركة” ليشفي أمراض ولاية غرب كردفان ويصف دواءها. و”البشير” عاش في تلك الديار ولم يخيب ظنه ولا تقديره .. واليوم تتعافى تلك الولاية من الصراعات القبلية ويرسم الوالي في اجتماعات اللجنة العليا لتنمية وتطوير غرب كدرفان صورة جديدة مغايرة للصورة النمطية القديمة. هيبة الدولة تم فرضها بقوة القانون.. وحزمة من التدابير الإجرائية حتى عادت الطمأنينة للنفوس وأغلقت حكومة الأمير “أبو القاسم” خلال أقل من عام (14) ملفاً أمنياً وجدت في طاولة الجنرال الذي غادر الحكم. انتهت الملفات (المغلقة) بإبرام المصالحات بين بطون (المسيرية) .. لتبدأ مرحلة جديدة .. تشييد الطرق بين المدن الفولة…النهود ولقاوة منبقو.. والحكومة المركزية تقدم مكافأة كبيرة للوالي “بركة” بوضع مبلغ (693) مليون في خزانة وزارة الطرق لتشييد طريق الفولة النهود.. ولأول مرة في تاريخ مدينة النهود من زمان القاضي “أبو رنات” حرمت العاصمة الثقافية لكل كردفان من الإسفلت الأسود، ولكنها اليوم تشهد (تمطي الحديد الأصفر) بين الأحياء السكنية.. وفي شهور الوالي “بركة” أصبحت عائدات البترول معلنة وانتهى عهد الدغمسة. يقول وزير مالية غرب كردفان د. “آدم محمد آدم”، إن ولايته تسلمت (60) مليون جنيه لمشروعات التنمية و(15) مليون لسد فروقات الفصل الأول.
في العهود السابقة كانت أموال البترول يتم إخفاؤها عن الرأي العام لشيء في نفوس الولاة المتعاقبين ولكن اليوم في أيام التعافي كل شيء على الطاولة.. والأرقام التي تحدث بها قادة “الفولة” تبشر ببزوغ فجر جديد.