جعفر عباس

رمضان ليس شهر الهلع والنهم


ما زلت في السودان الشقيق، ورغم أن أكثر من 65 يوما تفصلنا عن شهر الصوم الفضيل، فإن كل بيت سوداني يتحدث عن رمضان وكأنه سيهل عليه غدا، وإذا قلت لصديق: تعال نشرب الشاي سويا غدا، يقول لك: همك فاضي. أشوفك بعد رمضان، وترى جارك يقود عربة تروللي تئن بما عليها من حمولة في السوبر ماركت، فتسأله: زواج وللا ختان؟ فيقول لك: رمضان.
لا أذكر قط أن زوجتي كلفتني في أي سنة من السنوات بشراء حاجيات «رمضان»، بمعنى أن بيتنا لا يشهد حالة طوارئ وفزع وهلع عند مقدم رمضان، لأننا لا نعرف ما هي حاجيات رمضان تلك التي تشغل الناس فيظلون يخزنون على مدى عدة أيام السلع الغذائية والتي هي اللحم والدجاج والسمك والفواكه وربما المكسرات وعصير الفواكه الطبيعي المغشوش، فهذه الأشياء متوافرة على مدار السنة ولم يحدث أن تسبب قدوم رمضان الفضيل في مجاعة أو شح في السلع التموينية فعلام الهلع؟ وعلام حالة الطوارئ، وخاصة في المناطق غير المتأثرة بالقصف الروسي على «حلب» والواقعة خارج «الفلوجة» و«تورا بورا»؟ أما التمر فإنني حريص على الاحتفاظ بأجود أنواعه على مدار السنة، وبعد أن كان أصدقائي يتهمونني بالتخلف لأنني أقدم لهم التمر عندما يحلون ضيوفًا عندي، صاروا يكثرون من زيارتي لتناول التمر وخاصة بعد أن اشتهرت بامتلاك مختلف أنواع التمر الفخيم! الغريب في الأمر أن الذين يستقبلون شهر رمضان مسلحين بغرائز النهم وحب التكويش هم من يعيشون في بلدان تعاني من أن المعروض فيها من السلع الغذائية يفوق الطلب عليها عدة مرات على مر السنة.
المهم أننا -في بيتنا- لا نأكل في رمضان أطعمة لم نكن نأكلها في غير رمضان، وأعني بذلك أننا في رمضان نأكل نفس الأطعمة العادية التي نأكلها في غيره من الشهور. ولكن ربما بكميات أكبر. وربما كانت شوربة الخضراوات واللحم هي الإضافة الوحيدة لمائدتنا الرمضانية التي تشهد حربًا كلامية كل مساء لإقناع عيالنا بضرورة تناول الشوربة والسلطة الخضراء.
ويعتبرنا الأصدقاء عائلة غريبة الأطوار (في رمضان) لأنه ما من فرد فيها يتابع المسلسلات التلفزيونية، ولا المسابقات التي تستخدم مصباح علاء الدين لتقول للجمهور: شبيك لبيك جوائزنا بين يديك… من هو رئيس وزراء العراق المؤقت؟ معمر الزرقاوي!! صااااح، مبروووووووووووووووك.. لك سيارة هيونداي وخلاط كهربائي مولينكس وكرتون محارم ورقية ماركة خاك توف! وفي رمضان مثل غيره من الشهور فإننا لا نزور ولا نُزار بعد العاشرة مساء، فحظر التجول المعتاد يبقى ساريًا على العيال منذ العاشرة والنصف مساء.. وهناك بعض البحبحة في عطلة نهاية الأسبوع حيث من حقهم السهر حتى ساعة متأخرة من الليل لا تتعدى الثانية عشرة، ولحسن حظي فقد كان عيالي في مدارس لا تضع جداول حصص خاصة «مخفضة» في رمضان، ورغم أنهم يصومون الشهر منذ مراحل مبكرة من أعمارهم فإنني لم ألحظ أن بقاء الحصص الدراسية على طولها الأصلي في رمضان أثر على استيعابهم، أو أثار شكاواهم.
وعلى المستوى الشخصي فإنني حريص على التواجد في مكان عملي في السادسة والنصف من صباح كل يوم على مدار السنة، وأنصرف قبل بقية زملائي.. لأنني وأينما عملت أقنع رؤسائي بأن «المهم» ليس متى آتي إلى المكتب ومتى أنصرف بل «هل أنجزت العمل المطلوب على أفضل وجه ممكن؟».. والشاهد هو أننا في بيتنا لا نتعامل مع رمضان وكأنه عبء أو موسم للتسيب أو السهر والبطر.. فللشهر الفضيل خصوصيات محددة وصريحة وملزمة، أما جعل تلك الخصوصيات ذريعة لتغيير إيقاع الحياة ونمطها -ففي تقديري- هو «خروج» على تلك الخصوصيات.