حسد أم ذوق رفيع؟
منذ يومين وفي حلقي مرارة، والسبب؟ قرأت ملحقًا أصدرته مجلة عربية عن الممثلين والمطربات وما يتقاضونه من أجور، بعبارة أكثر دقة لم أقرأ «الملحق» بل مررت بسرعة على سطوره وتوقفت عند الأرقام التي ترمز إلى النقود، وتساءلت: لماذا يتقاضى ممثل عربي أكثر من خمسين مليون جنيه مثلاً عن الفيلم الواحد؟ يا جماعة، التمثيل محاكاة للواقع، وطالما بإمكاننا مشاهدة «الواقع» في حياتنا اليومية فما حاجتنا إلى التمثيل؟ لماذا تتقاضى راقصة 40 ألف دولار عن الليلة الواحدة، ولماذا يدفع البعض نحو 300 دولار لمشاهدة راقصة؟ فإذا كان الرقص ذا قيمة أساسية في حياتنا فلماذا لا يرقص كل واحد منا في بيته؟ وإذا كانت مشاهدة الرقص نوعًا من الإدمان، فلماذا لا يكتفي الناس بشراء أشرطة فيديو للرقص والراقصات بمبلغ لا يتجاوز السبعة دولارات؟ أم أن الحكاية فيها «لأن»؟!
عادل إمام يتقاضى عشرات الملايين من الجنيهات المصرية عن كل فيلم ولحين إشعار آخر، لماذا؟ منذ سنين طويلة وأنا أعمل ليل نهار نظير أجر مقطوع من شجرة وأتهرب من الضرائب، وليس مثل عادل إمام وغيره من الممثلين لبضعة أشهر، وأكدس الملايين ثم أنام في انتظار فيلم جديد يجلب الملايين المتلتلة! هذا ظلم، وخاصة أنني في درجة وسامة عادل إمام نفسها، وإذا وجدت مؤلفًا أو مخرجًا يقتنع بي، أستطيع أن أقف على المسرح وأن أقول «في النحي، نحي ني» «وأنا غلبان.. وأنا أعيّط»، وأي عبارات أخرى قد تقربني من الملايين.
طيب بلاش عادل إمام، فأنا أحبه رغم أنني أحسده، ولكن ماذا عن نادية الجندي؟ لماذا تتقاضى ولو سبعين قرشا عن الفيلم الواحد؟ لا شك عندي مطلقا في أنني أتفوق عليها حلاوة ووسامة، سموها نرجسية، يا سمينية، سمسمية، أنا حر، ومن حقي أن أفترض أنني أبُزّها وسامة، ومن حقي أن أعترض على الأجر الذي تتقاضاه، ومن حق أي منتج أن يعطيها الاجر الذي يعتقد أنها تستحقه.
بلاش نادية الجندي فهي على الأقل امرأة بدرجة أو بأخرى، ولكن لماذا يتم تكليف فاروق الفيشاوي بالتمثيل في مسلسل أو فيلم حتى نظير سندويتش فول، رغم أن مجرد رؤيته على الشاشة يسبب للملايين قرحة الثلاثة عشر؟
وبالمقابل إذا قالوا لي إن آثار الحكيم تتقاضى عشرة ملايين دولار عن كل فيلم، لقلت: حرام، شوية، خلوها 15 مليونا، لأنني مقتنع بأنها ممثلة من الطراز الأول وأكثر مني وسامة بدرجة أو بأخرى – يعني تستأهل، وجهها «يطمئن اليتامى والمسافرين والمؤبدين»، ولأنها محترمة فقد هجرت التمثيل ولزمت بيتها.
وليس معنى هذا أنني أحسد الفنانين والفنانات لوجه الحسد، فليس سرًّا أنني ظللت أحلم لمدة طويلة بالزواج من نبيلة عبيد، وكلما ارتفع أجرها، ارتفعت روحي المعنوية، وتمنيت لها المزيد، وكي لا يتهمني البعض بزوغان العين، فإنني أعلن اليوم طلاقها بأثر رجعي، وأقول إنني كنت معجبا بالممثلين الراحلين أحمد زكي، ونور الشريف.
ولا مانع عندي من ان يتقاضى عادل إمام الذي يتساوى معي في الوسامة جنيهًا ذهبيًا عن كل ثانية يقف فيها أمام الكاميرا أو على خشبة المسرح، لأنه – على الأقل ومن الناحية التجارية – يجعل منتج كل مسلسل أو فيلم يشترك فيها يربح مئات الملايين.
ولكنني بصراحة شديدة أتمنى أن يهبط أجر ليلى علوي إلى خمسة قروش عن كل خمسة أفلام، الغريب في الأمر أنني مقتنع بأنها أجمل ألف مرة من عادل أمام ولكنني لا أحبها «لله في لله»، والأغرب من كل ذلك أنني لم أشاهد فيلما أو مسلسلا تلفزيونيا عربيا أو تركيا أو مكسيكيا منذ ربع قرن، ولكنني أرى بعض تلك الوجوه المنكرة مصادفة هنا وهناك وخاصة على صفحات الجرائد، وأتمنى لو أصيبت أقمار نايل سات وعربسات ومعها الجامعة العربية بالشلل.
ربما المسألة كلها «حسد في حسد»، وربما كان ذوقي الفني أرفع من ذوق أولئك الذين يعتقدون أن أولئك الممثلين والممثلات من فلتات الزمان.
(جعفر عباس – صحيفة أخبار الخليج)