جعفر عباس

الدموع المبروكة


في الأنباء أن فتاة لبنانية تخضع حالياً للفحوص الطبية لأن عينيها تذرف دموعاً من زجاج، وأنا لا أفهم لماذا هذه الضجة؟ ماذا يضيرها أن تنتج بلورات زجاجية؟ هناك في مختلف أنحاء العالم العربي أطفال دموعهم دم وصديد ومسامير أو فلفل أو «شطة»! انني وعبر هذا المنبر أطالب، وبقوة، بأن يرفع الأطباء أيديهم عن تلك الفتاة، فهي ليست بحاجة إلى عطفهم أو مباضعهم.
يبدو أن والد هذه الفتاة طيب «زيادة عن اللزوم» وإلا لما عبر عن انزعاجه لحال ابنته وعرضها على عدد من الأطباء. صاحبنا هذا لا يدري أن فتاته «مبروكة» وأنها تملك قدرات خارقة. وقبل أن أسترسل في هذا الصدد أود أن أناشد اسرة فتاتنا هذه، وباسم الأمة العربية أن تستمع إليّ جيداً بوصفي خبيراً في شؤون «البركات والمعجزات».
ربما يذكر قراء هذه الزاوية أنني حدثتهم قبل بضعة أشهر عن تيس من فلسطين كان يدر الحليب فكثر مريدوه وأتباعه بزعم أن حليبه يزيل العقم والإمساك. وقالت بعض الدوائر الإمبريالية الحاقدة إن ذلك التيس «مخنث» وأنه مصاب بورم خبيث في أسفل البطن وأن ذلك الورم أفرز صديداً أسماه الناس حليباً، ويقال إن المخابرات المركزية الأمريكية والموساد تعاونا في تصفية التيس المبروك جسدياً وسرقة لحمه لإطعامه سراً للزعيم الكوبي فيدل كاسترو على أمل انتقال الخلايا السرطانية التيسية إلى جسمه فيريح ويستريح. ولعل الكثير من الغربيين لا يعرفون أن كاسترو نفسه يعتبر «مبروكاً» في نظر العرب لأنه بقي في السلطة أكثر من ثلاثة عقود رغم أنه يقول «لا» لأمريكا في كل شيء في حين أن جماعتنا في جزع دائم حول مصائرهم رغم أنهم يقولون لأمريكا «نعم» بمناسبة ومن دون مناسبة.
وحدثت القراء أيضاً عن بقرة إندونيسية شاع أمر بركاتها، تلحس موضع المرض بلسانها فيحدث الشفاء. وقال مريدو البقرة (وهم ليسوا من الهندوس) إنها تتمتع بقدرة خاصة على مداواة الباسور والناسور والتهاب البروستات! ولا تسألني كيف وتذكر أن ناقل الكفر ليس بكافر في جميع الأحوال.
ويا والد فتاتنا الوديعة، تيس يعاني من ورم سرطاني فحلت به «البركة»، وبقرة تعاني من خلل في غددها اللعابية فرشحها أصحابها لنيل جائزة نوبل في العلوم، وفتاتك الحلوة هذه تبكي حالنا بدموع عجزت عن الانسكاب فتصلبت وتحولت إلى كرات زجاجية صغيرة لا تجرح أجفانها، فلماذا الهلع؟ اسمع كلامي: أبعد عنها الأطباء واستأجر أجمل عمارة في بيروت بعد إجلاء سكانها قسراً وتهجيرهم إلى الشريط الحدودي «المأمون»، واستأجر لفتاتك حُراساً أشداء من المليشيات المسلحة حتى الأسنان، ثم أجلسها في غرفة مغطاة بالسجاد وخالية من الأثاث، وضع في يدها مسبحة واترك الباقي عليّ، سيتقاطر علينا الزبائن من كل فج عميق، يضربون الينا أكباد البوينغ والايرباص، وهناك بعض كبار الشخصيات الذين قد يستحون من الوقوف في الصف مع «الجمهور» أمام أو داخل العمارة «المباركة»، هؤلاء سنرتب لهم زيارات ميدانية نظير 5000000 دولار للساعة. نعم، التسعيرة بالدولار ولن نقبل الشيكات.
المهم، طاوعني يا صديقي، فعسى أن تسهم فتاتك البريئة الحلوة في إزالة النحس الذي يلازم أمتنا منذ أيام المنذر بن ماء السماء، أو على الأقل ستسعى أمتنا لنيل البركة من آدمي طاهر نقي السريرة بدلاً من الأبقار والتيوس!
سأخيب آمال الكثيرين الذين قرأوا كلامي هذا وفكروا في التوجه الى بيروت للفوز بدموع زجاجية تعالج خشونة العظام وتكيس المبايض: بعد أن قرأت حكاية هذه البنت بيومين اتضح أنها مستهبلة، فقد تأكد عدم صحة فرز عين الفتاة لقطع زجاج بل كانت هي التي تضعها، تحت جفنيها بنصيحة من والدها ليثبت أنها مبروكة كالتيس الفلسطيني والبقرة الإندونيسية.