لماذا لم يهتموا بصحة الترابي
صحيح أن الموت حق وسيدرك الناس ولو كانوا في بروج مشيدة، وأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، ولكن رغم ذلك يبقى ما تناوله الزميل العزيز عبد الباقي الظافر أمس في عموده الجريء حول إهمال صحة الترابي رحمه الله له أهمية كبيرة، وسبحان الله! فقد دار بذهني في اليوم التالي مباشرة لوفاة الترابي ذات هذا الذي كتبه الظافر بالأمس، ولكني مثله تحفظت عن الكتابة حينها لذات الأسباب التي جعلته لا يكتب عن هذا الموضوع إلا بالأمس، ولأن الاهتمام بصحة رجل كبير في السن دعك من أن يكون كبير مقام، أيضاً كانت تستحق إيلاءها العناية القصوى والمتابعة الدقيقة، لذا أجد أن هذا الموضوع برأيي لا يستحق فقط التطرق إليه بل الطرق عليه مراراً وتكراراً، ولهذا أنا هنا اليوم لأبوح بما كنت قد كتمته حول صحة الترابي، التي أرى بالوقائع والحقائق أنها عانت الإهمال سواء منه شخصياً أو من القريبين منه والمحيطين به من آل بيته أو أسرة الحزب…
ففي صبيحة اليوم التالي لوفاة الدكتور الترابي، زارني بالمكتب أحد الزملاء من كوادر الحزب الحاكم، كان هذا الزميل متأثراً غاية التأثر وحزيناً أشد الحزن على رحيل الترابي، بل إنه كان ممن رابطوا بالمشفى منذ لحظة إدخال الترابي إليه وحتى إعلان وفاته ودفن رفاته، وكان من الطبيعي أن يكون مدار الحديث بيننا حول هذا الخطب الجلل لا سواه، كان أول ما قلته لهذا الزميل بعد أن واسيته وعزيته ونفسي، لماذا يكون مكتب شيخ في سن الترابي بالطابق الثاني، ويصعد إليه عن طريق السلم دعك من أن يكون مصاباً بعلة في القلب، وهنا رويت له حكاية قريبنا الذي كنا نداعبه ونصفه بالجبن وكان يرد علينا بالحكمة الشعبية القائلة (مضارفة المؤمن على نفسه حسنة)، كان قريبنا هذا يعاني من ضعف في عضلة القلب وعطب في بعض الشرايين، هذه العلة جعلته حريصاً على نفسه غاية الحرص، لدرجة أنه لا يرتاد أي مكان مهما كان يتطلب صعوداً ولو درجة واحدة من السلم، والملاحظة الأخرى التي قلتها لهذا الزميل والذي كان للمصادفة العجيبة هو نفسه قد أجرى حواراً مع القيادي الإسلامي التاريخي أحمد عبدالرحمن، وكان مما قاله الشيخ أحمد عبدالرحمن تعليقاً على تحجيم نشاط الكبار، أن للسن أحكاماً وأن الاستفادة من خبرات الكبار تتطلب أن يعهدوا لهم بمهام تناسب سنهم، غير أنني لاحظت أن القريبين من الترابي كانوا يتباهون بنشاطه الجم وحيويته وحركته الدائبة، ويستدلون على ذلك بمشاركته حتى في عقودات القران، والرأي عند الطب عكس ذلك تماماً، فلم يكن مما يجلب التباهي أن يظل الترابي، وهو في هذه السن ومع معاناته من علة قلبية على ذات حيويته ونشاطه السابق..