ليذهب الحرام من حيث أتى
المشاريع ذات الطابع القومي كثيرة، ولتنفيذها لا بد أن أكسب اللوتري أو اليانصيب الوطني في بريطانيا. أعرف أنه مال اللوتري حرام ولكنني سأنفقه على داير المليم لمكافحة الحرام، ومن بين هذه المشاريع شراء أجهزة تشويش عملاقة في مركبات فضاء لكي اكتم أنفاس ذلك القمر الاصطناعي المسمّى «عربسات» زوراً وبهتاناً، فليس فيه مسمار أو صامولة أو برغي من أصل عربي، وليس في ذلك ما يعيب أمة تستورد كل شيء، من حبوب منع الحمل إلى أطفال الانابيب، ولكن عيب هذا العربسات أنه يوصل إلى بيوتنا طوفاناً لا ينتهي من الوسخ والكلام الفارغ الذي يسبب البواسير والعقم والاستسقاء.
والحقيقة أن السخف ليس وقفاً على جماعة التمثيل والغناء، فنشرات الأخبار التي تبثها تلفزيوناتنا اليوم هي النشرات نفسها التي كان يسمعها العرب أيام عبد الملك بن مروان، وتأبط شراً: «اجتمع فلان وعلان وبحثا المسائل ذات الاهتمام المشترك». طيب ما هي هذه المسائل؟ وهل يسافر زعيم عبر البحار والصحاري ليلتقي بنظيره لبحث مسألة شخصية أو مسألة «ذات اهتمام منفرد»… أحياناً تحس إذاعاتنا وتلفزيوناتنا بالذنب وتقول إنه «تم بحث القضايا التي تهم البلدين، والأوضاع في الشرق الأوسط».. طيب: ما هي هذه الأوضاع؟ هل تتعلق بالمناخ، أم بالموقع الجغرافي للمنطقة؟ ثم ما هي تلك القضايا التي تهم البلدين وينبغي التكتم عليها؟ نشر صواريخ نووية موجهة إلى كوبا ونيوزيلندا؟ أسرار تكنولوجيا الفضاء العربية؟
المهم أنني إذا لعبت وكسبت اللوتري – لا قدر الله – سأشوش على «عربسات»، أو سأشتري صواريخ مدارية قادرة على إسكات «عربسات» إلى الأبد، وبعدها سألتفت إلى وطني الحبيب «السودان». ولكن كيف؟ المسألة تحتاج إلى مائة جائزة اولى من اللوتري، ولكن عندي فكرة، كثيرون يقولون إن السودان يعاني بسبب عدم الاستقرار السياسي، ولكن مشكلة السودان الرئيسية هي الحر. لدينا «شمس» أعوذ بالله. ليست هناك دولة في العالم يستمر فيها فصل الصيف من يناير إلى منتصف ديسمبر، وعندما يشتد الحر تهب على السودان رياح رملية تجعل النهار لباساً والليل تعاسة.
ويطيب لي أن أعد أهلي في السودان بأنني، وعقب فوزي باللوتري، سأقيم سوراً عالياً حول العاصمة، وسأجعل على السور سقفاً من الزجاج المظلل لكسر حدة أشعة الشمس مع تركيب أنظمة تكييف هواء على جنبات السور والقاء مليوني لوح ثلج يومياً في النيلين الأبيض والأزرق فتمتلئ العاصمة بالنسمات الباردة ويصوم أهلي رمضان من دون أن تتشقق جلودهم، ولكن هذا المشروع سيظل حبراً على ورق ما لم يتعهد أهل الخرطوم خطياً بعدم تعاطي الفول في أشكاله العلنية أو المستترة، فقد ثبت علمياً أن الفول هو الذي أدى إلى ثقب الأوزون، لأنه يؤدي إلى توليد غازات ضارة. المهم ستكون الخرطوم مدينة بلا شمس أو فول وبذلك سنتمكن من منح كل أسرة نصيبها من الأوزون لتتولى المحافظة عليه.
باختصار، الحر في السودان يحتاج فعلاً إلى معالجة مبتكرة. كان لي صديق ترك الدراسة بسبب الفقر وبدأ يتاجر بأشياء بسيطة.. قطع الصابون، السجاير، أمواس الحلاقة، ثم توسعت أعماله وأصبح ثرياً يتاجر بالعقارات والذمم والمحاصيل والبشر، فقرر أن يتصرف كالاثرياء، فسافر إلى المانيا واشترى كلباً، وأبلغ الأهل بموعد وصوله مع الكلب. وأرسل سيرة ذاتية للكلب جاء فيها: إنه سليل أسرة نبيلة يعود أصلها إلى «هتلر». واحتشدت الجماهير الوفية في المطار لاستقبال الكلب، ولما ظهر على سلم الطائرة دوّى الهتاف بحياة الكلب بن الكلب، وسار الكلب بضع خطوات على أرض المطار، ثم اطلق صيحة حادة «آوووو»، وسقط ميتا، فقد كان الحر فوق طاقة كائن رقيق مثله، وكاد صاحبنا أن يلحق به، والتفت الجماهير حوله: البركة فيك.. البقية في حياتك.