مصطفى أبو العزائم

خارطة الطريق.. ماذا في آخر النفق؟


لم يبقَ لحركات دارفور المسلحة وقطاع الشمال وحزب (الأمة القومي)، إلا أن يعلنوا عن أن السيد “ثابو أمبيكي” رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى لم يعد رئيساً محايداً لآلية لم تعد هي نفسها محايدة، وأنه وآليته الرفيعة أصبحوا جزءاً من الوفد الحكومي المفاوض، بعد أن وصف بعض قيادات (الجبهة الثورية)، توقيع الحكومة على خارطة الطريق الذي اعتمدته الآلية الأفريقية، بأنه توقيع على خطة حكومية أصلاً، ولم يكن للآلية الأفريقية فيها إلا أجر المناولة للطرف الآخر.. (!).
حركات دارفور المسلحة وقطاع الشمال في الحركة الشعبية هم المكون العسكري لـ(الجبهة الثورية)، بينما حزب (الأمة) الذي اعتمد سياسة (عصاية نايمة وعصاية قايمة) لا يجد حرجاً في العمل مع كل الأطراف داخلياً وخارجياً اعتماداً على القاعدة التي اعتمد عليها رئيس الحزب، ودعا منسوبي حزبه للتعامل بها، وهي قاعدة (أكلوا ثوركم وأدوا زولكم)، وهي لعمري تعتمد على مبدأ التعامل بأكثر من وجه، ووضع أكثر من قناع (!).
نقول لمعارضي خارطة الطريق متسائلين (هل أفلحت الحركات المسلحة وقطاع الشمال كمكون عسكري لـ(الجبهة الثورية) في إحداث أي اختراقات أضعفت من دور الحكومة في منطقتي “جنوب كردفان” و”النيل الأزرق” خلال الفترة الماضية؟).
الإجابة قطاعاً ستكون لا.. ونستدل على ذلك بالهزائم المتلاحقة التي ظلت تضرب هذه الجماعات المسلحة يوماً بعد يوم، وآخرها العمليات العسكرية للقوات المسلحة السودانية التي اقتلعت منطقة (أم سردبة) اقتلاعاً من أيدي تلك الحركات بعد أن شتت شمل تلك القوات التي لا تجمع بينها عقيدة عسكرية واحدة، ولا يوحدها هدف سياسي غير (إسقاط) النظام الذي ظلت تحارب فيه منذ سنوات، فتزيده قوة بينما تزداد ضعفاً بخروج المئات من بين ظهراني تلك الحركات للالتحاق بركب السلام، وتزداد ضعفاً بالهزائم النكراء التي تلحقها بها (القوات الحكومية) يوماً بعد يوم، وهي بتلك التسمية الظالمة إنما تقصد القوات المسلحة السودانية التي تتزيأ بزي الوطن، وتعتمر قبعته وتحمي أرضه وتدافع عن مواطنيه بعيداً عن أي أطر تحبس أداءها ذاك في حماية حكومة أو جماعة أو نظام.
الأنظمة الحاكمة تجيء وتذهب، سواء أكان ذلك عن طريق الانتخابات أو الانقلابات، لكن تبقى الأوطان التي لن يسمح عاقل ولن يسمح مواطن حر شريف لأي كائن من كان بأن يجعلها رهينة في أيدي جماعات احترفت التخويف وزعزعة الأمن وترويع المدنيين، ولن يسمح عاقل لكائن من كان أن يختطف الوطن ليفعل بأهله ما يشاء.
قبل هذا وذاك، نقول للرافضين والممانعين إن خارطة الطريق التي وقعت عليها حكومة الخرطوم مع الوساطة الأفريقية، اشتملت على عدة نقاط إيجابية، أبرزها إنهاء الصراع في “دارفور” ومنطقتي “النيل الأزرق” و”جنوب كردفان”، والتوصل إلى سلام مستدام في هذه المناطق باستئناف المفروضات للتوصل إلى وقف العدائيات.. لذلك نعجب لهذا الموقف الغريب من الحركات المسلحة وقطاع الشمال، وحزب (الأمة القومي) الذي لم نعرف له موقفاً واضحاً في هذا الصراع، حيث أصبح متجاذباً ومتنازعاً بين دعوة رئيسه السيد الإمام “الصادق المهدي” باعتماد الجهاد السلمي لإسقاط النظام، بينما الواقع يؤكد على أن السيد الإمام يرفع رايات المساندة والتأييد لأي عمل عسكري تقوم به الحركات المسلحة في “دارفور” و”النيل الأزرق” و”جنوب كردفان”، يموت فيه الأبرياء ويستشهد بسببه أهل القرى في كل المنافي، وتترمل النساء ويتيتم الأطفال، وتحترق الأرض الخضراء، ويزداد الضغط على الوطن وعلى المواطن نتيجة تلك المواقف المتشنجة التي يدعو لها ويمارسها حملة السلاح.
خارطة الطريق في رأي كل من اطلع عليها وقرأها بعين العقل، واستوعبها قلباً وقالباً لم تغلق أبواب الحوار، بل فتحت الأبواب أمام الحوار، وأدرجته داخل بند التفاوض، ووضعت مبادئ أساسية جعلت من الحوار والتفاوض بديلاً للحرب.
نتوقع الآن أن يقوم المجتمع الدولي بضغوط كبيرة على الحركات المسلحة، وعلى المعارضين والرافضين لخارطة الطريق من أجل إحلال السلام، لكن الضغوط الأكبر والأقوى ستكون من داخل تلك الحركات ومن داخل هياكل ومنظومات وأجسام الأحزاب الرافضة التي ستعاني من ضعف جديد يزيدها ضعفاً على ضعف إن أراد قادتها الوقوف في وجه تيار السلام، الذي يرى الضوء في آخر النفق.