عبد الجليل سليمان

في مدح الكسل


طالما، كثيرون لا يريدون أن يفعلوا شيئًا مفيدًا في هذه البلاد، وطالما أن جل من يظنون أنهم يفعلون شيئًا مفيدًا ممن هم قيد الوظائف، وهم في الحقيقة يكذبون، وطالما أن الحكومة لا تريد أن تنعش الاقتصاد بطرح مشاريع حقيقية عوضًا عن الطفيلية الراهنة، حتى توفر للشباب فرص للعمل (لن يعملوا) فيها شيئًا عندما يلتحقون بها، وطالما.. هذا هو الواقع، وهذه هي الحقيقة، فإنني أنصح (نفسي) وكل وجميع من يستمتعون بكسلهم الأبدي الخالد تحت حججٍ كثيرة ومبررات عديدة، بعضها عادي والآخر مُثقف جدًا ومقنع، أنصحهم بقراءة الكتاب العظيم والسفر المقيم لـ(برتراند راسل) والموسوم بـ(في مدح الكسل).
لا شك عندي، أن في كتاب (راسل) المشار إليه، سلوى وعزاء للجميع خاصة المُتبطلين والمُبطلين عن العمل، إذ يتضمن قصصا وحكايات رائعة تمجد هذا السلوك وتعظمه وتدعو الجميع للانخراط فيه، كما لم يكتف الكاتب بذلك، بل أوغل في نبذ العمل وحرض على الثورة عليه والاستسلام لسلطان البطالة ولذة الكسل ومتعة السكون والهدوء.
يحكي (برتراند راسل): “لقد درجت شأني شأن معظم أبناء جيلي، على الاعتقاد في المثل الشائع (اليد الباطلة نجسة)، ولما كنت أتحلى بجميع الفضائل السامية، صدقت كل ما يقال لي عن قيم العمل، واكتسبت مع مرور السنوات ضميرًا لا يزال يدفعني إلى العمل الشاق ويسيطر على أفعالي، لكنني الآن لم أعد ذاك الصبي، فقد حدثت ثورة في رؤيتي للأمور، وصرت أكثر عقلانية تجاهها، وأن ثمة ضررًا بليغًا ينجم عن الإيمان بفضائل العمل، وها أنا أعتقد الآن أن ما ينجز منه (العمل) في العالم، يزيد عن حاجته البشرية إليه”، وأضاف راسل: “جميع المشاريع الكبيرة انتهى أمرها إلى الفشل، وهذا معناه أن قدرًا كبيرًا من الجهد البشري الذي كان يمكن تخصيصه لإنتاج شيء كان يمكن الاستمتاع به يهدر في إنتاج الآت لا فائدة منها، لذلك فإن على أصحاب رؤوس الأموال، أن لا يستثمروا أموالهم في مثل مشاريع خاسرة ذات صلة بالحكومات لأنهم يضرون أنفسهم كما يضرون الآخرين، وأفضل من أن يفعلوا ذلك، أن ينظموا حفلات لأصدقائهم، حيث يجنون المتعة واللذة، كما ينتفع منها الجزارون والخبازون وتجار المشروبات الروحية”.
هكذا، تحدث راسل، وأكثر. إذ قسم الرجل في كتابه (في مدح الكسل) العمل إلى نوعين، الأول وضع المادة على سطح الأرض، والثاني دعوة الآخرين إلى تغيير هذه المادة، لذلك فالنوع الأول غير مدر للربح وغير بهيج، والثاني على العكس تمامًا لأنه مطاط بشكل لا حدود له، فليس هنالك من يصدرون إليك الأوامر، ولا من يسدون النصائح بشأن الأوامر التي ينبغي تقديمها, وطالما أنتج الإنسان كافة الوسائل الحديثة التي تساعده على إنجاز العمل بجهد أقل، فليتركها تقوم بواجباتها، ويستسلم لحياة رخوة لذيذة، ومثل هذه الحياة المرفهة الناعمة لا تتحقق إلا بالكسل.
ألم أقل لكم، إنه كتاب رائع، يستحق أن يعلقه أي أحد منا قلادة على عنقه؟، لكن للأسف هذا السفر العظيم غير متوفر في الأسواق الراهنة، نادر جدًا، ولذلك ولأن الندرة هي أحد أسباب ارتفاع الأسعار، فإن من لم يجده، يمكنه الاتصال بي، كي أبيع له قراءته. الساعة بـ(ألف) جنيه، مع مراعاة الأصدقاء ومنسوبي الحكومة والباحثين عن وظائف.